Page 140 - m
P. 140

‫العـدد ‪55‬‬                ‫‪138‬‬

                                                     ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

‫الفانيليا» قد يحمل نو ًعا من التضارب (القسوة) في‬      ‫الورق «يمسسها» و»فحولة» فتنجب بها أشخاص‬
 ‫مقابل (الجمال)‪ .‬وهنا يتبدى توظيف الكاتبة عد ًدا‬           ‫خياليين «أنجبت على الورق قبيلة من الأطفال‬
 ‫من الرموز وأهمها «الفانيليا»‪ ،‬ذلك المكون اللطيف‬         ‫السمر والشقر‪ ،‬تحمل ملامح شخصيات أفلام‬
 ‫الذي يضفي نكهة ورائحة طيبة للطعام‪ .‬وقد ُينظر‬
                                                       ‫الأنيميشن‪ ،‬أملأ الجو صرا ًخا وضحكا ٍت ودموع‬
   ‫إلى مكونات الطعام في الكتاب بوجه عام كبعض‬               ‫فرح بتخرجهم»‪ ،‬تنقل الكاتبة ألمها الشخصي‬
     ‫الشفرات الرمزية التي تستخدمها الكاتبة ُبغية‬
   ‫تمرير بعض النصائح والإشارات الخفية لغيرها‬            ‫‪-‬افتقادها الزوج والأطفال‪ -‬وتقوم بتعميمه على‬
  ‫من النساء‪ ،‬فربما يقصد بـ»الفانيليا» المرأة ذاتها؛‬        ‫المستوى الإنساني وإظهار أنواع الضغوطات‬
    ‫كون «الفانيليا» علامة مؤنثة فهي ‪-‬المرأة‪ -‬تلك‬
    ‫التي تمنح للحياة نكهة طيبة كما تفعل الفانيليا‬       ‫المختلفة التي تمارس ضدها في المجتمع الشرقي‪.‬‬
‫بالخبز «فيصبح للخبز جما ٌل ناف ٌر»‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يمكن‬           ‫وتتخير لذلك حقو ًل دلالية تجسد الاضطراب‬
    ‫رؤية عنوان (ثورة الفانيليا) معاد ًل موضوعيًّا‬
  ‫لثورة المرأة ذاتها وتحري ًضا لها على عدم الخنوع‬    ‫والخوف من المجتمع‪ .‬تقول «أبالغ في نفض مخاوفي‬
                                                       ‫حينما أتبادل الدور مع ظلي‪ ..‬وعن ارتباكي حينما‬
                                  ‫والاستسلام‪.‬‬           ‫عاملوني كشجرة زقوم نبتت في وادي الملائكة»‪.‬‬
       ‫ولا تلبث أن تمرر الكاتبة النصية غيرها من‬
  ‫الشفرات التي تدخل في نطاق التحذير هذه المرة؛‬       ‫فتقف الكاتبة النصية على طبيعة ال ُجرم الذي يرتكبه‬
 ‫تقول واصفة الفلفل الأسود‪« ،‬أحب الفلفل الأسود‬            ‫المجتمع ضدها‪ ،‬حينما يلفظها كشجرة زقوم أو‬
       ‫بشكل خاص؛ أعتقد أنه يشبه بعض النساء‬
    ‫الخطرات اللاتي تكمن ثورتهن خلف مظهرهن‬              ‫«مجنونة تلوح من فوق برج القاهرة»‪ ،‬وهي كلها‬
‫الضعيف‪ ..‬فتعطيك الإحساس الذي تبديه المرأة من‬           ‫صور مخيفة عن المرأة تسيطر على مخيلة المجتمع‬
    ‫تبعية وخنوع‪ ،‬وإن صارت تحت ضرسك تقلب‬              ‫ولا سيما عن العانس التي بحسب المفهوم المجتمعي‬
 ‫لحظتك في لحظة»‪ .‬فتؤثث الكاتبة الصورة الجديدة‬           ‫يرفضها الرجال وتزدريها النساء وكأنها معيبة‪،‬‬
    ‫للمرأة‪ ،‬فهي ليست الخانعة المنصتة دائ ًما‪ ،‬فهي‬       ‫تقول «أرى أنني أشبه الصبارة كثي ًرا‪ ،‬بأشواكها‬
   ‫تمتلك صوتها المستقل الذي يحنو أحيا ًنا ويحذر‬
  ‫أحيا ًنا أخرى‪ ،‬يشعر بالحرية الكافية التي تجعلها‬           ‫التي نضجت من قلة الاحتضان‪ ،‬وصموتها‬
 ‫تعبر عن هواجسها وأفكارها ككيان إنساني‪ ،‬الذي‬              ‫الصامد ونبل زهرتها التي تطل مرة واحدة في‬
‫هو قيمة كبيرة في حد ذاته‪ ،‬لذا تقول «العالم موفور‬           ‫العمر»‪ .‬وعليه‪ ،‬يبدو عند تناول النص الأدبي‬
   ‫القسوة‪ ..‬يترك بقايا أصابعه الدبقة على خديك‪..‬‬       ‫للهوية النسوية‪ ،‬بأنه لا ينقل مجرد حالة فردية في‬
   ‫أتستغربين جسارتي على الخروج في البرد‪ ،‬وأنا‬         ‫المجتمع‪ ،‬وإنما َيع ُبر ذلك الجسر إلى أفق الجماعية‪،‬‬
                                                     ‫لتكون الشخصية تلخي ًصا للمرأة في المجتمع بكل ما‬
            ‫الضعيفة الهشة الزجاجية التكوين؟!»‪.‬‬         ‫فيه من أعراف وتقاليد حاصرتها في جانب ضيق‬
 ‫وأخي ًرا‪ ،‬تمتاز رسائل «ثورة الفانيليا» بتجريبيتها؛‬   ‫محدود‪ ،‬تمهي ًدا للمرحلة القادمة إذ يخرج من رحم‬
 ‫فلم تكت ِف الكاتبة بتقديم جنس أدبي قليل التواجد‬
                                                                         ‫القهر نور‪ ،‬ومن المطبخ ثورة!‬
   ‫حاليًا‪ ،‬وإنما تكتب رسائلها (من المطبخ)‪ .‬فيفجر‬
 ‫ذلك المطبخ طاقات الكتابة لديها وتستمد من قوته‬                   ‫‪ -4‬الرمزية‪:‬‬

    ‫حياة وفر ًصا جديدة للوقوف على تقلبات الذات‬           ‫تسعى الكاتبة النصية بكل ما تمتلكه من قوة‬
‫وإمكانية مواجهة الوحدة والعزلة‪ ،‬والثورة في وجه‬          ‫إلى تدمير ما هو نمطي وتحدي سلطة المجتمع‬
                                                     ‫«بشعرها الفوضوي ومظهرها الصبياني ووجهها‬
                                  ‫والقهر والقمع‬       ‫الخالي من الزينة»‪ .‬فعندما يصافح القارئ عنوان‬
                                                     ‫الكتاب «ثورة الفانيليا» ويبدأ في الربط بين عتبتي‬
                                                       ‫النص يخلص إلى وجود انزياح واضح؛ إذ كيف‬
                                                         ‫تمتلك (الفانيليا) صفة الثورة وما علاقة ذلك‬
                                                        ‫بالمطبخ؟ بل إن النظر إلى شقي العنوان «ثورة‬
   135   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145