Page 132 - m
P. 132

‫العـدد ‪55‬‬                            ‫‪130‬‬

                                                                ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

‫وجدي الأهدل‬

‫(اليمن)‬

‫الرصاصة الوردية‬

     ‫كانت هذه المرأة الأخرى موجودة‪ ،‬ولكن حواء‬        ‫منذ فترة قريبة احتفل ُت بعيد ميلادي الستين‪ .‬عندما‬
  ‫سبقته إليها وقتلتها! ورغم أنه لم يعلم بوجودها‪،‬‬         ‫أستعر ُض حياتي بحلوها ومرها‪ ،‬أدرك أنني قد‬

        ‫إلا أنه ظل طوال حياته يشعر بهذا الفقدان‪.‬‬       ‫حقق ُت كل الأهداف التي سعي ُت من أجلها‪ :‬صر ُت‬
    ‫أتذكر أنني في سنوات المراهقة أحبب ُت فتاة حبًّا‬    ‫غنيًّا‪ ،‬ولد َّي عائلة رائعة‪ ،‬وأحظى بمكانة رفيعة في‬
‫جار ًفا‪ ،‬ملأ عليَّ كياني كله‪ ،‬ولكن لسوء الحظ فرق ْت‬
 ‫بيننا الأقدار‪ ،‬وذهب كل واحد منا في اتجاه مغاير‪.‬‬                            ‫المجتمع‪ ،‬وصحتي ممتازة‪.‬‬
    ‫ذلك الشعور بالحب المزلزل الذي ينتزع الآهات‬        ‫من ماذا أشتكي؟ لا أشكو من شيء‪ ،‬أنا مغمور في‬
   ‫من الضلوع‪ ،‬هو ما أفتقده الآن‪ ،‬وأعي أن حياتي‬       ‫السعادة من أخمص قدمي وحتى ناصية رأسي‪ ،‬لا‬
                                                       ‫أُعاني ه ًما ولا قل ًقا‪ ،‬وكل أموري في الحياة تمضي‬
                                  ‫ناقصة بدونه‪.‬‬
 ‫لكنني من ناحية أخرى لم أعد ول ًدا لكي أتورط في‬                                      ‫على أحسن وجه‪.‬‬
 ‫تجربة حب ملتهبة‪ ..‬لا سني ولا وقاري يسمح لي‬                ‫لكن‪ ،‬وآه من لكن هذه‪ ،‬هناك شيء ما غامض‬
                                                        ‫في نفسي‪ُ ،‬يلح عليَّ بأنني ما زلت محتا ًجا لشيء‬
   ‫بشيء من ذلك‪ .‬لقد تج َّعد جلدي‪ ،‬وتساقط شعر‬
 ‫رأسي‪ ،‬وانحط ْت قواي الجسدية‪ ،‬ولم يعد ف َّي شيء‬                           ‫مختلف‪ ،‬لتتكامل شخصيتي‪.‬‬
                                                       ‫السعادة ليست هدفنا في الحياة‪ ،‬هناك هدف أبعد‬
                              ‫من رونق الشباب‪.‬‬
     ‫لذلك‪ ،‬ذهب ُت إلى عيادة واحد من أشهر الأطباء‬         ‫من السعادة‪ ،‬فالسعادة متوفرة في الجنة‪ ،‬ولكن‬
   ‫النفسانيين‪ ،‬وطلب ُت منه أن يصرف لي دوا ًء يمد‬       ‫الإنسان الأول قرر ‪-‬ولا يزال هذا القرار صائبًا‪-‬‬
      ‫جسمي بالمواد الكيماوية ذاتها التي نستمدها‬         ‫أن السعادة ليست الهدف النهائي للحياة‪ ،‬وحين‬
   ‫من الحب‪ .‬ضحك الطبيب وقال إن هذه الحبة لم‬
     ‫ُتكتشف بعد! سألته ماذا يحدث للجسم عندما‬            ‫اكتشف الإنسان هذه الحقيقة‪ ،‬تخلى طواعية عن‬
                                                        ‫حياته السعيدة في الجنة‪ ،‬وقرر أن يأتي إلى هنا‪،‬‬
       ‫نقع في الحب؟ قال إن الجسم يفرز كوكتي ًل‬          ‫ليبحث عن شيء أكثر سم ًّوا ونب ًل من السعادة‪.‬‬
   ‫عجيبًا من الهرمونات‪ :‬الدوبامين‪ ،‬السيروتونين‪،‬‬          ‫لا شيء أسمى من السعادة سوى الحب‪ ..‬نحن‬
                                                     ‫نتخلى عن سعادتنا الساذجة‪ ،‬ونقبل بكل أريحية أن‬
       ‫الأكسيتوسين‪ ،‬الأدرينالين‪ ،‬النورأدرينالين‪،‬‬
  ‫والفاسوبريسين‪ .‬قال إن مجموع هذه الهرمونات‬                              ‫نعاني من آلام الحب المبرحة‪.‬‬
‫هو الذي يمنحنا ذلك الشعور الرائع المسمى بالحب‪.‬‬         ‫ربما شعر جدنا الأول بهذه الحاجة الماسة للحب‪،‬‬
                                                       ‫وأراد أن يبحث عن امرأة أخرى في الأرض‪ ..‬ربما‬
   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136   137