Page 130 - m
P. 130

‫العـدد ‪55‬‬                            ‫‪128‬‬

                                                                ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬

‫نجيب التركي‬

‫(اليمن)‬

‫خصلة شاردة‬

 ‫رواية تحمل عنوان ( ُخصل َشاردة)! فكرت َمليًّا‪،‬‬        ‫قصصته‪ ..‬بعد تجاوزي السادسة والثلاثين قررت‬
‫َبلورت الفكرة‪ .‬أنا حاليًا ِبصدد تجميعها لتتسل َمها‬           ‫التخلص منه‪ ،‬من ثم رميه في َسلة المُهملات‪.‬‬
                                                            ‫في كتا ٍب ما‪ ،‬قرأت‪ُ « :‬كلما َتخلص الإنسان من‬
                                   ‫ُمدققة لغوية‪.‬‬
 ‫َنسيت أن أعرفك بنفسي‪ ،‬ملهوفة كتب‪ ،‬ومشروع‬               ‫ال َّشعر كان أكثر َتحر ًرا من حيوانيته»‪ ،‬وبما أن لي‬
                                                       ‫جار ًة ُتشاركني الأسى والفرح‪ ،‬أريتها الكيفية التي‬
   ‫كاتبة‪ ،‬تدرجت في السن حامل ًة اسمان‪ ،‬أحدهما‬
     ‫أجمل من الآخر‪ ،‬في البيت « ِفتنة» وفي خارجه‬         ‫صار بها َش َعري بعد ال َقص‪ ،‬أل َص َقت َكفها ال ُيمنى‬
                                                       ‫ِب َش َفتيها‪ ،‬أصدرت شهق ًة أعقبتها بـ‪ :‬يا ملعونة! لم‬
  ‫يصرون على توجيه الاتهام بدعوى الافتتان‪ ،‬مع‬          ‫أكترث كثي ًرا بما قالته‪ ،‬أو حتى ما كان َسي َص ُدر من‬

   ‫ذلك َيصيخون السمع عند سماع أحدهم يتنغم‬                                               ‫أفواه أخواتي‪.‬‬
     ‫بمناداتي بـ»ف َتونة»‪ ،‬بين هذا وذاك‪ ،‬ليس َثمة‬        ‫زوجي مات‪ُ ،‬حريتي بيدي‪ ،‬لن أتنازل َعما بدأته‪،‬‬
  ‫اختلا ٌف ُيذكر‪ ،‬وليس لد َّي ما أقدمه للاعتراض‪،‬‬         ‫أعرف ُخطواتي جي ًدا (جريئة)‪ .‬المجتمع ذكوري‪،‬‬
   ‫أو حتى ما ُيمكنني الاستئناف من أجله‪ ،‬والدي‬
    ‫محدود الدخل‪ ،‬له منكبان عريضان‪ ،‬أمي ذات‬                              ‫َهمه إشباع رغائبه اللامحدودة‪.‬‬
 ‫جما ٍل روحي لا يضاهى‪ ،‬أخواتي التسع َيملن ُكل‬             ‫في رواية‪( :‬أحمق وميت) قرأت عن إمكانية بيع‬
 ‫ال َميل نحو كاظم وأناقته‪ ،‬وفي المساء يقفن في حلق ٍة‬        ‫ال َّشعر بقيمة جيدة‪ ،‬أعجبني الموضوع‪ ،‬ولأني‬
 ‫دائرية‪ ،‬أكف ُهن ِبصدر آلاتهن الموسيقية‪ُ .‬مشكلات‬           ‫ُمحتفظة ب ُحزم ٍة ِمنه‪ ،‬اتصلت بمعظم صديقاتي‬
                                                         ‫ل ُيطلعنني على مكتب ُيمكنني من خلاله التفاوض‬
      ‫وه ًجا ُيحاول اختراق عال ِم سوداوي المعالم‪.‬‬          ‫في عملية شراء الشعر وبيعه‪ ،‬خاب أملي عندما‬
       ‫في إحدى صالات الأفراح‪ ،‬ذهبت مع بعض‬                 ‫أخبرتني تهاني‪« :‬إما أن ِك معتوهة‪ ،‬أو أن ِك خارج‬

‫أخواتي لأرى بعيني‪ ،‬وأسمع بأذني‪ ،‬نساء كثيرات‬                                      ‫نطاق كوكبنا المعاش»‪.‬‬
‫يتحدثن عن َشع َري و َقصته‪ ،‬لم يخبرنني مباشر ًة‬            ‫بلمسة عصرية‪ ،‬تولت السبابة إغلاق المكالمة‪ ،‬لم‬
‫بذلك‪ ،‬لكنني أدركت بفطنتي الأنثوية‪ ،‬ما يعتري في‬
 ‫دواخلهن من ِغبطة غير معلنة‪ ،‬و َحسد قد لا أنجو‬              ‫أقفل بعد أ َملي في وجود ُمهتمين بهكذا أشياء‪.‬‬
                                                            ‫َجمعت ما تناقلته الأفواه عن ال َقصة‪ ،‬كانت ما‬
                         ‫من عواقبه في المستقبل‪.‬‬       ‫يقارب ثلاثة آلاف صفحة‪ ،‬ومتى ما واتتني الفرصة‬
      ‫تلك الصالة ُمترعة ِبشتى ما َيشتهي الرجال‬          ‫أعود له‪ ،‬لأصدر بعض القهقهات التي سرعان ما‬
       ‫ُمشاهدته‪ ،‬نساء ملفوفات كعرائس في ورق‬            ‫تتحول إلى ضحكات هستيرية‪ ،‬وفي أحايين كثيرة‪،‬‬
 ‫الهدايا‪ُ ،‬خصور نحيلة وممتلئة‪ ،‬وجوه مستديرة‪،‬‬            ‫أُحد ُث َنفسي بتعق ٍل أكثر‪َ ِ ،‬ل لا أُلملم ما جمعته‪َ ِ ،‬ل‬
     ‫نهو ٌد بارزة‪ ،‬أعجا ٌز َصلبة وأخرى متماسكة‪،‬‬       ‫لا أصبغ عليه ِمن ِن َعمي و َمل َكتي؟ من ثم أصدره في‬
  ‫وروائح أجساد‪ ،‬ما شمم ُتها قط‪ ،‬إلا واقشعر لها‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135