Page 129 - m
P. 129
127 إبداع ومبدعون
القصة في اليمن
السراب ،م َّر وقت قصير وأ ٌّي منَّا لم تصب بأذى، مدد ُت كفي نحوها أتحسس جسدها ،في الوقت
اعترته علاما ُت أسى حين عجز عن إيجا ِد الحل! الذي كانت تتحسنني فيه! قرر ُت تجاهلها ،وسر ُت
طأطأ رأسه وأشار بسبابته نحو باب الخروج،
خرج ُت وهي برفقتي ،تفاقم حجم الضيق لد َّي، أذرع الغرفة دون النظر إليها ،هي كذلك لا تنظر
فذهب ُت أشكوها لأحد أئمة المساجد :أنفاسها إل َّي.
تؤذيني كلهيب الجمر ،وأُف ِّضل العمى على أن أراها. ظ َّل تفكيري عال ًقا بها حتى بلغ الضيق مني مبلغه،
كتب لي على ورقة وأخفاها ،أن أتظاهر بالموت ،دون
قرر ٌت أن أد ِّبر لها مكيدة ،أو أن أتخلص منها
أن يعلم أح ٌد بذلك ،ويتم تغسيلي وتكفيني وعمل وهي نائمة ،خشي ُت أن تتخلص مني بنفس طريقة
كافة مراسيم الجنازة ،ستكون معي خطو ًة بخطوة،
خلاصي منها ،لم تغ ُف عين َّي عنها للحظة ،كلانا
وحين يضعوني في القبر أنهض لأعاود الحياة تترقب الأخرى بحذر تخشى الغدر.
بدونها ،فهي قرينتي ولا بد لها أن تتلاشى بين
انتظر ُت حتى انبلج نور الفجر ،ذهب ُت إلى مشع ِوذ
التراب. ذاع صيته ،كانت معي خطو ًة بخطوة ،نتحدث
شعر ُت بضيقها مني كما أنا منها ،وكأن لا ذنب للمشع ِّوذ م ًعاُ ،سرر ُت حين رآها ،لكنه لم يعد
لها في وجودها معي! بدأ قلبي بالإشفاق عليها،
لكن لا بد من حسم المصير .تظاهرنا بالموت م ًعا، يعرف من يص ِّدق منَّا ،تار ُة ينظر إل َّي وتار ًة إليها،
ترمقني بابتسامة ماكرة ،وتلك السيدة تقوم بغسلي كلانا تريد الخلاص من الأخرى ،نتحدث بكل
وتطييبي ،وهي إلى جواري لا يراها أحد دوني،
ظن الجميع أني ميِّتة ،ودموع من حولي في انهما ٍر صراحة ،تدمع أعيننا ،الانفعالات ذاتها وتعابير
مستمر ،كنت أسمع أصواتهن وشعر ُت كم أنا الوجه الحزينة.
محبوبة ،نادت إحداهن:
استدعى رفاقه من العالم السفلي ،يهذي بألفاظ
-فليأ ِت من يحمل الجنازة للتو. غير مفهومة ،ونحن نترق ُب بلهف ٍة لما سيقول،
تفرقت النسوة ،و ُحمل ُت على الأكتاف وهي متمددة سقانا شرا ًبا لاذ ًعا ،ابتلعناه دفع ًة واحدة
إلى جواري! صلوا علينا وأخذونا إلى قب ٍر تم حفره، كما أمر ظننته مسمو ًما لوهلة؛ لكن
نرقب بعضنا دون حديث ،أصوات التهليل تتعالى،
الناس من حولنا سائرون ،وصلنا إلى المقبرة ،وكلي انبثق لد َّي احساس بأنها من
سعادة بأنها ستتلاشى في جوف الأرض ،وضعونا ستصا ُب بالأذى ،فأنا الأنثى
في قب ٍر واحد ،تشاجرنا ،تشابكت أيدينا ،ف َّر الج ْم ُع
هلعين حين رأوني أتشاجر مع الفراغ ،لم يب َق أح ٌد على أرض الواقع وهي
سوانا ،تعارك ُت معها في المقبرة ،تتقاذف أجسادنا
القبور المتناثرة ،سيارة الشرطة وصلت إلى المكان،
تم تقييدي وهي معي ،أصرخ:
-أبعدوها عني ،لقد تعبت منها .لكن ليس من
مجيب!
صدرت مني تنهيده خانقة حتى كد ُت أفقد وعيي،
قرر ُت تجاهلها البتة ،أغمض ُت عين َّي ،أشعر
بأنفاسها تلاحقني ،افترش ُت سجادة الصلاة،
صلي ُت صلاة انفراج الضيق ،أكثر ُت من الدعاء،
رأيتها تصلي جواري وتدعو لي بالزوال ،بمثل ما
كنت أدعو عليها.