Page 125 - m
P. 125
123 إبداع ومبدعون
القصة في اليمن
قلت بدون أن تقع عين َّي على أ ِّيهما (كنت أعلم
بأنهما يفعلان ذلك مرا ًرا ،فالرائحة التي تنبعث من
جسديهما كل ليلة أحد كافي ٌة لتصديق ظنوني).
غادرا من أمامي بدون أن ينبس أحدهما ببنت شفة.
كخرق ٍة بالي ٍة تجاهلاني ومضيا إلى مشوارهما بعد
ليل ٍة حافل ٍة بالشجار.
أيقظني من سباتي أصوات الكلاب والمطر الغزير
الذي كان شدي ًدا تلك الليلة.
رفعت ذراعي إلى المنضدة لأتحقق من الوقت؛
(الرابعة فج ًرا) ،كان ضوء خاف ٌت قاد ًما من العدم،
وقلبي يدق مثل طب ٍل ،شعرت بالخوف لبره ٍة،
أغمضت عيني محاو ًل ردع ذلك التفكير.
مع أول خيوط الضوء وصلتني رسالة من أحد
الجيران يطلب مني الذهاب إلى الحانة الموجودة في
الشارع المقابل.
نهضت على عج ٍل ،ارتديت لبا ًسا شتو ًّيا .كان قد
توقف المطر ،لكن البرد كان قار ًسا ،وبعض قطرا ٍت
تسقط على روحي ،لتزيل آثار آلا ٍم زرعت منذ
الصغر.
حين وصلت أغمضت عين َّي وفعلت كما أفعل في
المواقف البائسة .سقطت ،شبكت ذراعي وشددت
بقو ٍة على رأسي بين ركبتي ،كنت أرتجف كورق ٍة،
وخائ ًفا كغزا ٍل يهرب من أس ٍد جائ ٍع لم يحصل على
فريسته بعد.
فتحت عين َّي روي ًدا روي ًدا ،لأتأكد من أن ما رأيته
كان حقيقيًّا .أمي وأبي ملقيان على الأرض ،الناس
حولهما ينظرون بلا مبالا ٍة ،كأنهم يشاهدون عر ًضا
سينمائيًّا صامتًا؛ يرفعون مظلاتهم فوق روؤسهم
المريضة ،ويصوبون أعينهم تجاه جسد أبي الملقى
بإهما ٍل؛ الجسد الذي طالما كان شام ًخا متعجر ًفا،
سقط في جوف الظلام ،ولا أحد يعلم سبب ذلك.
أنصت لأولئك الذين رأوهما لي ًل من خلف زجاج
النافذة ،يقول أحدهم:
“جرعة كحو ٍل زائد ٌة قضت عليهما” .وآخر يقسم
“بأن الرجل خنق زوجته ،إلى أن فارقت الحياة!
وقتل نفسه بعد ذلك”! دفعتني قدماي إلى الخلف،
حينها تشجعت ونظرت نظر ًة أخير ًة بعينين
جاحظتين غير آب ٍه بشي ٍء!