Page 216 - m
P. 216

‫العـدد ‪56‬‬                            ‫‪214‬‬

                                ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                         ‫القرآن (سورة البقرة) كما‬
                                                                   ‫ذكرنا‪ .‬وانتهى كتاب «النبأ‬
   ‫انشغلت الكثرة الكاثرة من‬       ‫متى وكيف برزت‬                     ‫العظيم» ولم يشر ‪-‬رحمه‬
 ‫المفسرين بتفسير الآيات آية‬     ‫بذور القول «بالوحدة‬              ‫الله‪ -‬إلى المرتبتين الأخريين‪:‬‬
  ‫آية‪ ،‬دون النظر إلى السورة‬                                       ‫التناسب بين السور‪ ،‬القرآن‬
‫ككل متكامل فض ًل عن النظرة‬            ‫البنائية»؟‬                    ‫في جملته‪ ،‬لكن كتا ًبا آخر‬
 ‫الكلية للبناء القرآنى‪ ،‬ويكفيك‬
                                                   ‫الفقهاء‪:‬‬          ‫(حصاد قلم) صدر عام‬
     ‫أن تنظر نظرة خاطفة في‬        ‫غلبت النظرة الفقهية المعنية‬       ‫‪ً 2001‬جمع فيه بعض ما‬
   ‫كتب المفسرين لتدرك ذلك‪،‬‬         ‫باستنباط الأحكام الجزئية‬        ‫كتبه وأذاعه الدكتور دراز‬
 ‫بل إنني أزعم أن هذه النظرة‬     ‫من أدلتها التفصيلية ‪-‬على حد‬      ‫ولم ينشر‪ ،‬ومنه تكملة بعض‬
   ‫التفسيرية إلى القرآن كانت‬     ‫تعريف الفقهاء لمعنى الفقه‪-‬‬          ‫ما كان قد بدأه في كتابه‬
  ‫من عوامل حدوث ما سمي‬             ‫وذلك لضرورة الاستجابة‬          ‫«النبأ العظيم” وذكر فيه ما‬
 ‫بـ»التوتر» بين أجزائه‪ ،‬إذ إن‬    ‫لمستجدات الحياة المتسارعة‪،‬‬        ‫بين السورة والسورة من‬
  ‫انشغال المفسرين الأساسي‬                                       ‫نهاية التشابه ونهاية التمايز‪،‬‬
 ‫كان‪ :‬تفسير الألفاظ والبحث‬           ‫وإعطاء الأحكام المناسبة‬      ‫وضرب لذلك مث ًل بسورتى‬
   ‫فى مدلولاتها‪ ،‬والبحث عن‬        ‫للنوازل والوقائع لئلا تبقى‬        ‫هود‪ ،‬ويونس (السورتان‬
                                 ‫واقعة من الوقائع دون حكم‬         ‫متشابهتان في الغرض التى‬
     ‫الأحكام واستنباطها من‬                                       ‫سيقت لأجله‪ ،‬بل متشابهتان‬
                    ‫الآيات‪.‬‬          ‫فقهي مكتسب من الأدلة‬           ‫فى مطالعهما ومقاطعهما‪،‬‬
                                        ‫الشرعية التفصيلية‪.‬‬        ‫وهما فوق ذلك متجاورتان‬
      ‫حتى مدرسة «التفسير‬                                           ‫فى المصحف) وهذا هو علم‬
      ‫الموضوعي» حيث عني‬              ‫يقول د‪.‬العلواني‪ ”:‬وعن‬         ‫التناسب أو المناسبات بين‬
 ‫المفسرون فيها بجمع الآيات‬       ‫“النظر الفقهي شاع وانتشر‬
     ‫المتعلقة بموضوع واحد‪،‬‬      ‫النظر الجزئي في آيات الكتاب‬           ‫السور‪ ،‬وهو جز ٌء متم ٌم‬
    ‫لكن لم يلفت ذلك الأنظار‬       ‫الكريم‪ .‬و “النظر الجزئي”‬       ‫للمقصود بـ»الوحدة البنائية‬
   ‫إلى الروابط المتينة بين ذلك‬    ‫لا يمكن أن يؤدي إلى إدراك‬
      ‫الموضوع وآيات وسور‬        ‫المناسبات والروابط وشبكات‬                          ‫للقرآن»‪.‬‬
                                                                ‫يقول د‪.‬نصر أبو زيد فى نهاية‬
             ‫القرآن الأخرى‪.‬‬         ‫العلاقات بين الكلمات في‬
                                 ‫إطار الآية‪ ،‬ولا بين الآيات في‬     ‫محاضرته السابق ذكرها‪:‬‬
  ‫التفسير البيانى‪/‬‬              ‫إطار السورة‪ ،‬ولا بين السور‬      ‫“علم المناسبة علم عظيم؛ لأنه‬
       ‫البلاغى‬                                                  ‫افترض وحدة القرآن‪ ،‬ويدرك‬
                                   ‫في إطار القرآن كله‪ .‬كما لا‬
‫يمكن القول إن «نظرية النظم»‬       ‫يساعد ذلك النوع من النظر‬          ‫أن القرآن وترتيبه حسب‬
  ‫عند الجرجاني (أشرنا إليها‬                                      ‫هذا الترتيب‪ ،‬ترتيب التلاوة‪،‬‬
                                    ‫على الكشف عن العلاقات‬
‫فى مقال الدرس الأدبي للقرآن‬     ‫بين السور في المحيط القرآني‬        ‫يحتاج إلى شرح للوحدة”‪.‬‬
 ‫الكريم بشيء من التفصيل)‪،‬‬                                       ‫(فى كتاب “حصاد قلم” نشر‬
                                    ‫‪-‬كله‪ -‬وبالتالي فقد غاب‬      ‫تقرير أعده د‪.‬دراز مرفوع إلى‬
    ‫هي الحاضنة الأم لنظرية‬       ‫التفكير في «الوحدة البنائية»‬    ‫مشيخة الأزهر وهو نقد فنى‬
   ‫«الوحدة البنائية»‪ .‬لقد كان‬                                     ‫لمشروع طرح آنذاك لترتيب‬
   ‫المفهوم العام لدلالة «النظم‬      ‫أو لم تسلط عليها أضواء‬        ‫القرآن الكريم حسب نزوله‪،‬‬
                                 ‫كافية يمكن أن تلفت الأنظار‬
     ‫القرآني» على الإعجاز في‬      ‫إليها بمثل القوة التي تلتفت‬         ‫لمن أراد أن يرجع إليه)‬
 ‫الأجيال الأولى (جيل التلقي)‬
                                       ‫بها إلى الدليل الجزئي‬
       ‫معنًى قائ ًما في العقول‬   ‫المباشر»‪( .‬من كتاب‪ :‬الوحدة‬
‫والقلوب والنفوس ‪-‬لم يتداول‬        ‫البنائية للقرآن المجيد‪ ،‬د‪.‬طه‬

                                                  ‫العلواني)‬
                                       ‫التفسير والمفسرون‪:‬‬
   211   212   213   214   215   216   217   218   219   220   221