Page 211 - m
P. 211
الملف الثقـافي 2 0 9
وثمة إشكا ٌل أو تساؤ ٌل آخر: وأعرض عن الجاهلين” الهائلة والممكنة لدى المخاطب
هل ح ًّقا تعامل المسلمون مع (الأعراف :الآية “ ،)199وما والتى ينبغى أن يسعى
أرسلناك إلا رحم ًة للعالمين”
القرآن ككتاب واحد؟ هل (الأنبياء )107 :بينما تتحدث لاستكمالها وتفعيلها ،بينما
بحثوا فيه عن غاياته الكبرى آية السيف فى سورة التوبة السياق في الآية الثانية أن
وأهدافه العظمى؟ هل بحث الجزاء لن يتعلق إلا بالعمل
عن وجوب قتال المخالفين أو بمعطيات الواقع وليس
المسلمون عن مركز الدلالة كافة “فإذا انسلخ الأشهر
في الخطاب القرآني من حيث بمجرد الخواطر.
هو خطاب إلهي للبشر وليس الحرم فاقتلوا المشركين ومثل ذلك آية البقرة “وإن
من حيث هو نص يؤيد أهواء حيث وجدتموهم وخذوهم
واحصروهم واقعدوا لهم تبدوا ما في أنفسكم أو
البعض ويسير في ركابهم؟ كل مرص ٍد فإن تابوا وأقاموا تخفوه يحاسبكم به الله”،
فصدق فى هذا البعض قول الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا فإنها جاءت لإعلاء طاقة
القرآن“ :الذين جعلوا القرآن سبيلهم إن الله غفو ٌر رحي ٌم”
عضين” (الحجر ،)91 :فقديما الإنسان على المراقبة لله
(التوبة“ .)5 :وقاتلوا تعالى والإحساس بحضوره
تمذهب البعض وتوجهوا المشركين كافة كما يقاتلونكم
بآرائهم ثم طلبوا من القرآن الدائم كحديث البخاري
كافة”. “اعبد الله كأنك تراه” وليس
تأيي ًدا لمذاهبهم ودلي ًل على فآيات الرحمة نص عام لتحديد مناط التكليف الإلهي
توجهاتهم ،فلا تكاد تجد فرقة مفتوح يمثل روح الخطاب
القرآنى ولبه ومحوره، للإنسان.
من الفرق وإلا وهى تستدل ليس باعتباره كتا ًبا يبحث ومثل ذلك الآيات التى
بالقرآن. قارئه عن بؤرة للمعنى تتحدث عن الرحمة والعفو
يركز عليها ويهمش ماعداها “خذ العفو وأمر بالعرف
حتى هؤلاء الذين فهموا وإنما باعتباره الروح الغالبة
من آية كآية السيف وجوب فى الخطاب القرآنى ،بينما
مواجهة المشركين كافة فى آية السيف تتعلق بواقعة
محددة مع مشركي العرب
كل الأحوال ،هل ُي َتصور الذين تعرضت سورة التوبة
أنهم قرأوا القرآن كله وذهبوا لسائر التفاصيل المتعلقة
إليه متسائلين؟ أم ذهبوا إليه بهم ،وللأسباب الكثيرة
المعتبرة التى أدت إلى صدور
باحثين عن دليل يؤكد ما ذلك الحكم بحقهم ،بل
استقر في أذهانهم مسب ًقا؟! حتى آيات القتال لا تسمح
بالمعنى الهجومى الذى يريده
وقريبًا من هذا ظهرت البعض ،فهو يقسم الجملة
نظريات كثيرة ركزت على قسمين يأخذ بأولها وينسى
آيات ،وهمشت أخرى أو آخرها ،فأولها “وقاتلوا
فسرتها لتتماشى مع الأولى، المشركين كافة” وآخرها “كما
وفى مثل هذا يقول الأستاذ يقاتلونكم كافة” فأين الحرب
جمال عمر فى مقدمة كتابه
الرائع «هكذا تكلم نصر أبو الهجومية هنا؟!
زيد»“ :وفي ظل حركة التحرر
من الاستعمار ومحاولة
استقلال القرار الوطني
والتنمية الداخلية ،صاحبها
خطاب ديني من المؤسسات