Page 208 - m
P. 208

‫العـدد ‪56‬‬                            ‫‪206‬‬

                               ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                          ‫بين أيدينا اليوم؟ هل هو‬
                                                                ‫الترتيب الذي اختارته اللجنة‬
‫وتحرس (فإنك بأعيننا) بينما‬      ‫الاختيار الذى اختارته لجنة‬      ‫التى كونها أبو بكر ‪-‬رضى‬
‫تجد آية تقرر أنه (ليس كمثله‬       ‫الجمع الأولى ‪-‬فى عهد أبى‬
                                                                    ‫الله عنه‪ -‬لجمع القرآن‪،‬‬
  ‫ش ٌئ وهو السميع البصير)‪.‬‬           ‫بكر‪ -‬هو الكتابة بلهجة‬         ‫أم ترتيب مصحف عثمان‬
   ‫تستطيع أن تقيس على ذلك‬       ‫قريش حتى لا يختلف القراء‬           ‫الذى تم جمعه فيما بعد؟‬
‫قضايا كثيرة مثل التعامل مع‬                                     ‫بمعنى آخر هل ترتيب الآيات‬
 ‫أهل الكتاب‪ ،‬ودور النبي بين‬         ‫فى القراءات‪ ،‬ومما ذكره‬      ‫والسور هو جزء من الوحي‬
‫السلطة والنبوة‪ ،‬إلى غيرها من‬   ‫الإمام الزركشي فى «البرهان»‬       ‫له معنى ومضمون؟ أم هو‬
                                                                 ‫اختيار بشرى من الصحابة‬
                   ‫القضايا‪.‬‬       ‫أن القراءة كانت مباحة في‬        ‫الذين قاموا بجمع القرآن؟‬
    ‫هذا عن التوتر بين أجزاء‬          ‫عهد الرسول وأبي بكر‬           ‫أما ما جاءت به المرويات‬
 ‫المصحف ذاته‪ ،،‬وهناك توتر‬                                      ‫والسنن أن النبي كان إذا نزل‬
  ‫آخر بين المصحف من جهة‬           ‫بغير لغة قريش‪ ،‬ولما رأى‬      ‫عليه جبرئيل بالآية أو الآيات‬
  ‫والواقع المتغير والمتطور من‬   ‫عثمان اختلاف القراء خشى‬            ‫فيرشده إلى موضعها من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فبينما النصوص‬                                        ‫سورتها‪ ،‬ثم يقرؤها الرسول‬
 ‫ثابتة ومحدودة فإن الوقائع‬        ‫أن يفضى ذلك إلى النزاع‪،‬‬          ‫ويتلوها على كتاب الوحي‬
  ‫والأحداث متغيرة ومتطورة‬      ‫فألزم الناس أن تكون القراءة‬         ‫في موضع كذا من سورة‬
                               ‫والكتابة بلغة قريش وساعده‬           ‫كذا وثبت أنه كان جبريل‬
               ‫ولا متناهية‪.‬‬     ‫على ذلك شيوع لهجة قريش‬         ‫يعارضه (يراجع معه) القرآن‬
    ‫هذا الخيط التقطه الأستاذ‬                                       ‫فى كل عام مرة وفى العام‬
     ‫جمال عمر وف َّصل القول‬             ‫بعد ظهور الإسلام‪.‬‬      ‫الذى توفى فيه عارضه مرتين‬
     ‫فيه في كتابه «مقدمة عن‬                                      ‫(روى ذلك البخاري بسنده‬
   ‫توتر القرآن»‪ ،‬حاول جمال‬     ‫‪ -3‬إشكالية “التوتر”‬             ‫عن ابن عباس) وفق الترتيب‬
 ‫عمر فى كتابه القيم استيعاب‬     ‫بين النص والخطاب‬               ‫الذي حفظه الصحابة وحملوه‬
‫محاولات القدماء لرفع التوتر‬
    ‫عن أجزاء القرآن المختلفة‬        ‫كون القرآن الكريم نزل‬                    ‫فى صدورهم‪.‬‬
                                      ‫منج ًما على مدار ثلاث‬     ‫ومن المؤكد أن تداول القرآن‬
     ‫داخل النص‪ ،‬فمحاولات‬
‫القدماء كانت تتسم بالانشغال‬    ‫وعشرين سنة تقريبًا‪ ،‬وكونه‬           ‫الكريم ظل شفاهيًّا‪ ،‬ليس‬
                                    ‫نزل فى سياقات مختلفة‬          ‫فقط على عهد الجمع الأول‬
  ‫بالنص ذاته‪ ،‬كل وفق مجال‬                                          ‫والثاني بل لقرو ٍن طويلة‬
  ‫تخصصه‪ ،‬فالفقهاء حاولوا‬          ‫كوحدات خطابية منفصلة‬           ‫بعد الجمعين‪ ،‬وهذا التداول‬
‫رفع التوتر من خلال ثنائيات‬      ‫تولدت عن ذلك مجموعة من‬          ‫الشفهي اعتمد على الحفظ فى‬
  ‫الناسخ والمنسوخ أو المحكم‬                                       ‫الصدور وإنما جاء الجمع‬
 ‫والمتشابه أو الخاص والعام‪،‬‬       ‫التحديات والإشكاليات فى‬
‫والأصوليون من خلال مبحث‬           ‫محاولة فهم القرآن ككتاب‬           ‫المكتوب لتوثيق ما حوته‬
 ‫مقاصد الشريعة‪ ،‬واللغويون‬         ‫ونص‪ ،‬فأنت تقرأ السورة‬        ‫الصدور‪ ،‬وبالتالى فإن الجمع‬
‫والبلاغيون من خلال ثنائيات‬       ‫الواحدة فتجدها تتحدث فى‬
                                  ‫موضوعات مختلفة بل قد‬            ‫المكتوب لم ينشئ واق ًعا لم‬
      ‫اللفظ والمعنى والحقيقة‬   ‫تجد الآيات المتجاورة بعضها‬         ‫يكن موجو ًدا‪ ،‬لا من حيث‬
‫والمجاز‪ ،‬والمتصوفة من خلال‬                                       ‫ترتيب الآيات ولا حتى من‬
‫التفسير الإشارى إلى غير ذلك‬             ‫مكى والآخر مدنى‪.‬‬
                                ‫فحين تريد معالجة موضوع‬                 ‫حيث ترتيب السور‪.‬‬
       ‫من محاولات القدماء‪.‬‬
    ‫أما المحدثون فقد اتسمت‬        ‫محدد مثل موضوع تنزيه‬
 ‫محاولاتهم لرفع التوتر ليس‬     ‫الذات الإلهية‪ ،‬فإنك تجد آيات‬
                               ‫تتحدث عن أن لله ي ًدا (يد الله‬
                               ‫فوق أيديهم) وله استواء على‬
                                ‫العرش (الرحمن على العرش‬

                                     ‫استوى) وله عين ترى‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213