Page 209 - m
P. 209

‫الملف الثقـافي ‪2 0 7‬‬

‫طه جابر العلوانى‬  ‫سيد قطب‬                ‫الشيخ محمد الغزالي‬                    ‫بين أجزاء المصحف ذاته‬
                                                                              ‫وفقط وإنما بين المصحف‬
  ‫(البقرة‪ )2 :‬ولتقويم الناس‬              ‫القرآنى بالخطاب البشرى فى‬          ‫باعتباره ن ًّصا مقد ًسا مطل ًقا‬
  ‫أفرا ًدا وجماعات “إن أنزلنا‬             ‫محدودية رؤيته أو عطاءاته‪،‬‬        ‫وبين الواقع المتغير باعتباره‬
‫إليك الكتب بالحق لتحكم بين‬                 ‫فقد يصلح المثال السابق فى‬
 ‫الناس ب َما َأرا َك الَّ ُل ولا َت ُكن‬   ‫النصوص النبوية باعتبارها‬                    ‫نسبيًّا ومتطو ًرا‪.‬‬
 ‫لل َخائني َن َخ ِصي ًما”‪( .‬النساء‪:‬‬                                        ‫فكانت محاولات جعل الدين‬
                                            ‫خطا ًبا بشر ًّيا‪ ،‬أما الخطاب‬  ‫كهوية ثقافية والتى نظرت إلى‬
                     ‫‪)105‬‬                   ‫القرآني فإن إلهية مصدره‬         ‫الإسلام كدين ودولة وليس‬
‫فإن ذلك لا يحدث فى الفراغ‪،‬‬
                                              ‫تجعل منه خطا ًبا مفار ًقا‬       ‫مجرد عقيدة وشريعة إلى‬
   ‫ولا يتم بتعليمات مجردة‪،‬‬                    ‫لخطاب البشر ليس فقط‬            ‫محاولات تحويل نصوص‬
 ‫وإنما لا بد من واقع بشرى‬                     ‫فى نظمه وإنما في مآلاته‬      ‫القرآن إلى قانون نضاهي به‬
 ‫تشتبك معه هذه القيم وتعيد‬                  ‫وغاياته‪ ،‬ولا يطعن فى هذا‬        ‫فلسفة القوانين الغربية‪ ،‬ثم‬
   ‫صياغته‪ ،‬لكن هذا الخطاب‬                  ‫كون الخطاب الإلهي تفاعل‬           ‫محاولات البعض الخروج‬
‫قادر على استيعاب هذا الواقع‬               ‫مع البشرى زما ًنا ومكا ًنا‪ ،‬إذ‬  ‫بالنص القرآنى ليس فقط من‬
 ‫البشرى المعاصر ثم تجاوزه‬                ‫أن هذا التفاعل مع لغة العرب‬      ‫أسر ثقافة العرب وبيئتهم بل‬
  ‫دون أن يتقيد به أو يصير‬                ‫وبيئتهم وثقافتهم بل وأحداث‬         ‫من أسر اللغة العربية ذاتها‬
 ‫مرهو ًنا بأحداثه‪ ،‬صحيح أن‬                  ‫حياتهم ينبغى أن يفهم فى‬       ‫فى محاولة لجعل القرآن ن ًّصا‬
‫فهمنا للخطاب القرآني لا يتم‬               ‫سياق مصدر التلقى ومحور‬
‫إلا بمعرفتنا للواقع الذي نزل‬                 ‫الرسالة وغايتها الكبرى‪،‬‬                         ‫إنسانيًّا‪.‬‬
 ‫فيه هذا الخطاب لغة وثقافة‬                  ‫فإذا كان القرآن الكريم قد‬     ‫ويرى جمال عمر أن الإشكال‬
 ‫وبيئة وأحدا ًثا‪ ،‬بل ودراسته‬              ‫جاء لهداية الإنسان على حد‬
  ‫وفهمه لنعرف كيف تفاعل‬                    ‫تعريفه بغايته “ذلك الكتاب‬        ‫‪-‬هنا‪ -‬هو أنه تم تحويل ما‬
                                            ‫لا ريب فيه ه ًدى للمتقين”‬     ‫نطق به الرسول على أكثر من‬
     ‫جيل التلقي مع الخطاب‬                                                  ‫عقدين من الزمن كخطابات‪،‬‬

                                                                             ‫إلى نصوص‪ ،‬ثم جمع هذه‬
                                                                            ‫الدفعات من النصوص بين‬

                                                                              ‫دفتين ثم النظر إليها على‬
                                                                                ‫أنها كتاب‪ ،‬هذا التعامل‬

                                                                             ‫ولد مجموعة من التحديات‬
                                                                          ‫والمشكلات التى يحاول المفكر‬

                                                                             ‫المسلم حلها‪ ،‬ويشبه جمال‬
                                                                             ‫عمر ذلك بخطيب ألقى على‬

                                                                               ‫مسامع الناس خطبة كل‬
                                                                          ‫أسبوع على مدار عشرين عا ًما‬
                                                                          ‫ثم جمع هذه الخطب وصنفها‬

                                                                             ‫ووضعها بين دفتى كتاب‪،‬‬
                                                                             ‫وبدأ يتعامل معها على أنها‬
                                                                             ‫كتاب يبحث فيه عن معنى‬
                                                                             ‫مركزى أو عن مقصد كلى‪.‬‬
                                                                            ‫وهنا تظهر إشكالية أخرى‪:‬‬
                                                                           ‫هى إشكالية مقاربة الخطاب‬
   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214