Page 210 - m
P. 210

‫العـدد ‪56‬‬                           ‫‪208‬‬

                                ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                         ‫القرآني‪ ،‬وما هى القضايا‬
                                                                ‫التى جاء ليعالجها‪ ،‬فالخطاب‬
 ‫الذي تتطلبه الهداية القرآنية‪،‬‬  ‫المرحلية التى يمر بها الخطاب‬
‫فـ»السياق» هنا تكتيك مرحلى‬           ‫وهو يشق طريقه حام ًل‬         ‫القرآني خطا ٌب منفتح على‬
                                                                 ‫حركة الزمن وحركة الفعل‬
 ‫للوصول إلى الغاية القرآنية‪،‬‬     ‫المعنى الذى حمل به إلى عقل‬
 ‫وهنا تبدو أهمية التعامل مع‬       ‫المخاطب ونفسه ووجدانه»‪.‬‬                       ‫الإنسانى‪.‬‬
                                                               ‫ولا شك أن هناك تغيي ًرا هائ ًل‬
    ‫القرآن كـ»خطاب» وليس‬             ‫(نحو موقف قرآني من‬        ‫أحدثه القرآن فى تاريخ وواقع‬
   ‫مجرد نص‪ ،‬خطاب يتضح‬           ‫النسخ‪ :‬د‪.‬طه العلواني ص‪،66‬‬
  ‫من خلاله الأهداف المرحلية‬                                        ‫العرب وفي تاريخ وواقع‬
‫والأهداف العامة الكلية‪ ،‬فحين‬                  ‫‪ 67‬بتصرف)‬         ‫الأمم المتصلة بهم والمجاورة‬
   ‫يقول القرآن «يا أيها الذين‬    ‫فالخطاب القرآني يتفاعل مع‬
 ‫آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا‬                                                       ‫لهم‪.‬‬
   ‫تموتن إلا وأنتم مسلمون”‬        ‫الواقع فيتصل به وينفصل‬          ‫يقول د‪.‬طه جابر العلوانى‬
 ‫(آل عمران‪ ،)102 :‬ثم يقول‬       ‫عنه مستوعبًا إياه‪ ،‬ومتجاو ًزا‬      ‫(‪“ :)2016 -1935‬ولعل‬
 ‫في آية أخرى “فاتقوا الله ما‬
  ‫استطعتم واسمعوا وأطيعوا‬           ‫له توجي ًها وتربية فهو لا‬       ‫الخطاب القرآني لم يكن‬
                                 ‫يرتبط به إلا بمقدار ما يقوم‬     ‫مجرد اختبار لعقلية العربى‬
     ‫وأنفقوا خي ًرا لأنفسكم”‬     ‫بترقيته وتزكيته ثم يتجاوزه‬
     ‫(التغابن‪ ،)16 :‬فإن لكل‬       ‫إلى المستقبل‪ ،‬فكأنه يخاطب‬       ‫الجاهلى ونفسيته‪ ،‬بل كان‬
    ‫من الآيتين وظيفة نفسية‬                                          ‫تحد ًيا هائ ًل فرض عليه‬
                                     ‫الواقع‪ :‬هذا ما أنت عليه‪،‬‬       ‫مناقشة المنظومة القيمية‬
       ‫واجتماعية وتاريخية‪.‬‬       ‫وهكذا ينبغي أن تكون‪ ،‬وهو‬
‫فالآية الأولى تفتح الأفق نحو‬     ‫فى سبيل ذلك يطرق أساليب‬        ‫الجاهلية كلها‪ ،‬فلم يعد يغنى‬
‫الكمالات الإنسانية‪ ،‬والقدرات‬    ‫البيان المختلفة والمعروفة لدى‬  ‫عنه شيئًا إعراضه عن القرآن‪،‬‬

                                    ‫المخاطب مبتد ًئا من واقعه‬    ‫أو عدم استماعه له أو صم‬
                                ‫ومرتف ًعا به إلى الأفق السامى‬       ‫أذنيه وغض عينيه عنه‪،‬‬

                                                                   ‫ولك أن تتصور «الخطاب‬
                                                                 ‫القرآني” هنا مقات ًل مغوا ًرا‬

                                                                  ‫أو فار ًسا كامل الفروسية‬
                                                               ‫يحاول اختراق حصن حصين‬
                                                               ‫مصمت ليصل إلى عقل وقلب‬

                                                                 ‫هذا الإنسان‪ ،‬فهو يستخدم‬
                                                                ‫كل الوسائل‪ ،‬كما أنه يستغل‬
                                                                ‫كل ثغرة أو فرجة ليصل إلى‬

                                                                   ‫ما يريد‪ ،‬وهنا تجد نفسك‬
                                                                ‫أمام خطة استرتيجية دقيقة‬
                                                                  ‫ومحكمة‪ ،‬ومخطط فى غاية‬

                                                                   ‫الدقة تبدو غايته‪ ،‬ومعالم‬
                                                                   ‫سياساته المرحلية ‪-‬حتى‬
                                                                   ‫بلوغ الغاية‪ -‬ولذلك فإنه‬
                                                                    ‫حين تبدو للقارئ بعض‬
                                                                   ‫التعارضات الموهومة على‬
                                                                 ‫سطح الخطاب فإنها لا تنم‬
                                                                    ‫إلا عن طبيعة المجاوزات‬
   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215