Page 50 - m
P. 50

‫العـدد ‪56‬‬  ‫‪48‬‬

                                                     ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

‫د‪.‬شفيق القوسي‬

‫(اليمن)‬

‫تشكيلات الحزن في شعر‬

‫«المعتمد بن عباد الإشبيلي»‬

‫و«أبي فراس الحمداني»‪..‬‬

‫مرحلة الأسر أنموذ ًجا‬

‫التحول الإيقاعي في النصين سار وفق منظومة من الحركات الإيقاعية‬

‫المتناغمة‪ ،‬وهو ما خلق الحيوية والدينامية في البنى السياقية بما يتفق‬

‫مع الحركة الداخلية للنص‪ ،‬في تتابع نسقي بديع يسمح بتوليد دفقات‬
‫شعرية تفيض عذوب ًة وجما ًل‪ .‬وذلك نلاحظه من خلال تناوب التفعيلات‬

‫في النصين‪ ،‬فتفعيلات البحر البسيط‪ :‬تتحول من مستفعلن إلى متفعلن‬

‫في نص المعتمد‪ ،‬وفي نص أبي فراس‪ :‬تتحول تفعيلات البحر السريع‪:‬‬
‫مستفعلن أي ًضا إلى متفعلن ومستعلن‪ .‬بما يجسد الحضور الإيقاعي لدى‬

‫الشاعرين في تصوير الانفعالات‪ ،‬وتفسير عذابات الضمير الملتهبة‪.‬‬

‫و ِمحنه المظلمة‪ ،‬فكل واحد منهما أُثخن بالجراح قبل‬       ‫من يقرأ الأدب العربي القديم‪ ،‬يجد في قصائد‬
 ‫أسره‪ ،‬وتكبد مرارة المرض في محبسه‪ ،‬وقد كانت‬
 ‫مدة الأسر لكل منهما متساوية‪ ،‬غير أن أبا فراس‬        ‫الكثيرمن الشعراء التشابه الكثير‪ ،‬سواء في صورهم‬
   ‫تم إطلاق سراحه‪ ،‬أما المعتمد فقد مات أسي ًرا في‬     ‫الشعرية أم في موضوعاتهم المتنوعة‪َ ،‬ب ْيد أن هناك‬
                                  ‫منفاه البائس‪.‬‬            ‫بعض الشعراء تساوت تجربتهم الشعرية من‬
    ‫وقد كان لقصائدهما في تلك المرحلة تأثير بالغ‬        ‫خلال محن ٍة ما تجمع بينهم‪ ،‬ومن أولئك الشعراء‪،‬‬
   ‫في تشكيل الحزن‪ ،‬ورسم آلامه‪ ،‬واستقراء تنوع‬              ‫الشاعران الكبيران‪ ،‬والعلمان الشامخان‪ ،‬الملك‬
   ‫انكساراته‪ ،‬وتتابع زفراته المحرقة‪ ،‬هذا ما جعلنا‬     ‫الشاعر المعتمد بن عباد الإشبيلي (المتوفي ‪488‬هـ)‪،‬‬
 ‫نقارن بين تلك الأشعار‪ ،‬ونرصد تشكيلات الحزن‬                 ‫والأمير الشاعر أبو فراس الحمداني (المتوفي‬
                                          ‫فيها‪.‬‬          ‫‪357‬هـ)‪ ،‬حيث نلمح في قصائدهما إبان مرحلة‬
    ‫ونفتتح المقارنة بينهما من قول المعتمد بن عبَّاد‬      ‫الأسر تشاب ًها كبي ًرا‪ ،‬فكلاهما كان لهما المجد في‬
                                                        ‫موطنه؛ المعتمد مل ًكا‪ ،‬وأبو فراس أمي ًرا‪ ،‬وكلاهما‬
‫عندما هاجم المرابطون عاصمة ملكه‪ ،‬وحاصروه في‬                ‫وقع في الأ ْسر‪ ،‬وقد خلَّفا العديد من القصائد‬
 ‫قصره سنة ‪484‬هـ‪ ،‬وقد كان أشار عليه وزراؤه‬                  ‫البديعة‪ ،‬والمقطوعات المؤثرة في وصف الأسر‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55