Page 52 - m
P. 52

‫العـدد ‪56‬‬  ‫‪50‬‬

                                                           ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

                                ‫للزمان احتواهما‬              ‫يكاد يكون جليًّا‪ ،‬فالمعتمد يتمنى أن يكون كسرب‬
                                                                  ‫القطا‪ ،‬كي ينطلق محل ًقا بلا أغلال ولا قيود‪،‬‬
                     ‫بقرطبة النكداء أو رندة القبر‬
                                                             ‫وأبو فراس يخاطب حمامة على غصن‪ ،‬ويريد أن‬
                  ‫فقل للنجوم الزهر تبكيهما معي‬               ‫يقاسمها همومه‪ ،‬لأنه كما يقول أولى بالدمع منها‬
                     ‫لمثلهما فلتحز ِن الأنجم الزهر‬
                                                                ‫غير أن دمعه غا ٍل إذا دهمته الحوادث‪ .‬ب ْيد أن‬
‫إن الحزن يكاد يقفز من هذه الأبيات‪ ،‬كما أن الأسى‬             ‫الحزن الراعف يتشظى بقوة في نص المعتمد؛ فقلبه‬

  ‫يقطر حسرة‪ ،‬ونحن نقرأها‪ .‬حيث وفق المعتمد في‬                   ‫يطير إذا سمع باب محبسه أو حتى قفل الباب‬
                                                            ‫يتحرك! حتى أنه تمنى الموت؛ لأنه لا يطيق العيش‬
    ‫اختيار تفعيلات البحر الطويل التي تساعد على‬               ‫حبي ًسا‪ ،‬كما أن حزنه على ملكه وأهله كبير‪ ،‬بدليل‬
                                                           ‫قوله‪ :‬فإن فراخي خانها الماء والظل كناية عن أبنائه‬
  ‫تصوير الحزن واستيفاء عناصره‪ ،‬ليتشكل البكاء‬               ‫واسرته التي باتت تعاني الأمرين في ظلمات سجن‬

     ‫المر والجزع الشديد من هول الفاجعة وفداحة‬                  ‫أغمات‪ .‬وهذا يذكرنا بنص الحطيئة وهو يعتذر‬
                                                                ‫لسيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه بقوله(‪:)5‬‬
 ‫المصير‪ .‬ذلك يتجلى من خلال‪“ :‬وأسبلت عبرة‪ ،‬فما‬
                                                                                ‫ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ‬
 ‫لي لا أبكي‪ ،‬وأبكي لآلاف”‪ ،‬وتصوير هول المصاب‬                                ‫زغب الحواصل لا ما ٌء ولا شجر‬

‫لفقد الأبناء‪ ،‬حتى أنه طلب من النجوم أن تبكي معه‬                                ‫ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة‬
   ‫لفقد َول َد ْيه‪ ،‬وهنا يبرز ما يس ِميه النقاد‪( :‬المعادل‬                      ‫فاغفر عليك سلام الله يا عمر‬
     ‫الموضوعي)‪ ،‬حيث سعى الشاعر إلى إضفاء ما‬                ‫ولم يكت ِف المعتمد بذلك بل أخذ يصف قمرية أمامها‬
                                                                          ‫طائران يغردان في دعة وعذوبة(‪:)6‬‬
 ‫ينتابه على ما يعادله أو يساويه في حزنه وشكواه‪،‬‬                              ‫بكت إن رأت إلفين ضمهما وكر‬
      ‫ولا يوجد مثل الطيور معاد ًل لحالة شاعرنا‪،‬‬                             ‫مسا ًء وقد أخنى على إلفها الدهر‬
                                                                            ‫بكت لم ترق دم ًعا وأسبلت عبرة‬
   ‫فهو حزين بائس أسير يتوق للحرية والانعتاق‪،‬‬                              ‫يقصر عنها القطر مهما همى القطر‬
 ‫والتحليق والانطلاق‪ ،‬كحال الطيور في ج ِو السماء‪.‬‬                          ‫وناحت فباحت واستراحت بسرها‬
                                                                               ‫وما نطقت حر ًفا يبوح به سر‬
    ‫والنص السابق يتفق مع نص أبي فراس (أراك‬                               ‫فمالي لا أبكي أم القلب صخرة وكم‬
    ‫عصي الدمع) وز ًنا وقافي ًة‪ ،‬بل وحتى مضمو ًنا‬
‫وسيا ًقا‪ ،‬وهذا لا يعد غريبًا إذا ما أخذنا في الاعتبار‬                                           ‫صخرة في‬
 ‫أن المعتمد متأخر زمنًا وأحدا ًثا عن أبي فراس‪ ،‬ولا‬                                           ‫الأرض يجري‬
 ‫غرو أن تأثر المعتمد بأبي فراس في هذه القصيدة‪،‬‬
   ‫لأنها قصيدة ذائعة ال ِصيت‪ ،‬سارت بها الركبان‪،‬‬                                                    ‫بها نهر‬
                                                                                             ‫بكت واح ًدا لم‬

                                                                                               ‫ي ْش ِجها غير‬
                                                                                                     ‫َف ْق ِد ِه‬

                                                                                              ‫وأبكي لآلاف‬
                                                                                              ‫عديدهم كثر‬
                                                                                            ‫بن َي صغير أو‬
                                                                                              ‫خليل موافق‬
                                                                                              ‫يمزق ذا فق ٌر‬
                                                                                            ‫ويغرق ذا بحر‬
                                                                                              ‫ونجمان زين‬
   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57