Page 54 - m
P. 54

‫العـدد ‪56‬‬  ‫‪52‬‬

                                                        ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬

      ‫توحي بالاستصغار والازدراء‪ ،‬أما الجر‪ :‬فيفيد‬                                ‫يا عيد ما عدت بمحبو ِب‬
    ‫الانتقاد‪ ،‬والإلحاق‪ ،‬ولعل هذا ما قصده أبو فراس‬                               ‫على معنى القلب مكرو ِب‬
                                                                                 ‫يا عيد ماعدت إلى ناظر‬
      ‫من ازدراء الأسر‪ ،‬والقلق من تأخر رد ابن عمه‬                             ‫من كل حسن فيك محجو ِب‬
                                     ‫سيف الدولة‪.‬‬                                ‫يا وحشة الدار التي ربها‬
                                                                                 ‫أصبح في أثواب مربو ِب‬
   ‫كذلك نلمح توفيق المعتمد الذي اختار الراء المفتوح‬
  ‫المتبوع بألف الإطلاق رو ًّيا لنصه‪ ،‬وما لهذا الحرف‬                               ‫قد طلع العيد على ربها‬
    ‫من صفات كالتكرير والاضطراب‪ ،‬وهو ما يترجم‬                                    ‫بوجه لا حسن ولا طي ِب‬

      ‫تلك الحالة القاتمة المرعبة التي يعايشها المعتمد‪،‬‬                             ‫مالي وللدهر وأحداثه‬
    ‫من خوف دائم‪ ،‬وقلق مستفز‪ ،‬وخاطر مضطرب‪،‬‬                                          ‫لقد رماني بالأعاجي ِب‬
  ‫وما حضور ألف الإطلاق إلا دليل واضح على رغبة‬                ‫والشاعران يتفقان في تصوير أحزانهما‪ ،‬وبث‬
    ‫الشاعر في التحرر والانعتاق‪ ،‬والانطلاق بعي ًدا من‬    ‫آلامهما‪ ،‬مع أول عيد يطل عليهما وهما يرسفان في‬
                                                         ‫القيود‪ ،‬فلا أهل ولا عز‪ ،‬لا مجد ولا سعادة‪ .‬إلا أن‬
                                  ‫القهر والوصب‪.‬‬           ‫نص المعتمد كان الأكثر حز ًنا‪ ،‬والأشد وق ًعا‪ ،‬فإذا‬
      ‫ولما كان الشعر صناعة‪ ،‬فقد أجاد الشاعران في‬          ‫كان أبو فراس وحي ًدا في الأسر‪ ،‬فإن المعتمد معه‬
  ‫إقامة الوزن‪ ،‬وتخير الألفاظ‪ ،‬وانتقاء المخارج المعبرة‬      ‫أهله! ويالهول الصدمة‪ ،‬وفداحة الفاجعة‪ ،‬عندما‬
       ‫عن الحالة الشعورية‪ ،‬بما يؤكد على أن الإبداع‬        ‫يرى بناته في تلك الصورة البائسة الحزينة وهن‬
   ‫الفني يتصل في جانبه التعبيري بالحالات النفسية‬             ‫بائسات حسيرات‪ ،‬جائعات‪ ،‬خاشعات البصر‪،‬‬
       ‫للشعراء والمبدعين‪ ،‬عبرالمؤثرات المتعددة‪ ،‬التي‬       ‫كأنهن لم يطأن المسك والكافور!(‪ ،)9‬ولم يتمتعن‬
  ‫تذكي العواطف‪ ،‬وتؤجج المشاعر‪ ،‬وهذا ما لمحناه في‬          ‫بالحظوة والسرور! وكم كان قوله‪( :‬فكان فطرك‬
                                                            ‫للأكباد تفطي ًرا) ملائ ًما في استدعاء كل عناصر‬
‫دولة بني عباد زمن المعتمد في أقصى اتساع لها‬                 ‫الأسى والندم‪ ،‬واستقصاء كل مناحي الوصف‬
                                                                               ‫الدقيق لتلك الحالة المؤلمة‪.‬‬
                                                        ‫كما اتفق الشاعران في شد انتباه القارئ عبر تقنية‬
                                                            ‫(الازدواج الصوتي)(‪ )10‬من خلال تعاقب حرفي‬
                                                            ‫القافية‪ :‬الواو والياء‪ ،‬في نص المعتمد‪ :‬مأسورا‪،‬‬
                                                          ‫قطميرا‪ ،‬مكاسيرا‪ ،‬كافورا‪ ،..‬وفي نص أبي فراس‪:‬‬
                                                           ‫مكروب‪ ،‬محجوب‪ ،‬مربوب‪ ،‬طيب‪ ،‬بالأعاجيب‪،..‬‬
                                                         ‫هذا أعطى النصين السابقين بع ًدا إيقاعيًّا متناغ ًما‪،‬‬
                                                             ‫وحقق لهما قد ًرا كبي ًرا من الجمال الفني‪ ،‬على‬
                                                         ‫الرغم من أن قافية المعتمد رويها راء متبوع بألف‬
                                                            ‫الإطلاق‪ ،‬وقافبة أبي نواس رويها باء مكسور‪،‬‬
                                                            ‫وكلاهما توحيان بالحزن والألم‪ ،‬وحب التحرر‬

                                                                                     ‫والفكاك من الأسر‪.‬‬
                                                           ‫وقد كان أبو فراس موف ًقا في اختيار حرف الباء‬
                                                         ‫رو ًّيا لنصه السابق؛ فالباء حرف شفوي انفجاري‬
                                                            ‫يأتي في حالة إغلاق الشفتين ثم فتحهما فجأة‪،‬‬
                                                        ‫ومن المعروف أن الباء من حروف القلقلة عند علماء‬
                                                            ‫التجويد والقراءات‪ ،‬والأصوات المتقدمة في الفم‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59