Page 55 - m
P. 55

‫‪53‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫سيف الدولة‪ ،‬وقد استهلها بالدعاء لسيف الدولة‬         ‫النصين السابقين من تصوير المأساة في أول عيد‬
      ‫بطول العمر ونعته بالصبر والجلد فقال(‪:)11‬‬            ‫يطل على الشاعرين وهما في غياهب السجن‪.‬‬
                 ‫يا عمر الله سيف الدين مغتب ًطا‬
                      ‫فكل حادثة يرمى بها جلل‬        ‫كما أن التحول الإيقاعي في النصين السابقين سار‬
                  ‫من كان عن كل مفقود لنا بد ًل‬     ‫وفق منظومة من الحركات الإيقاعية المتناغمة‪ ،‬وهو‬
                      ‫فليس منه على حالاته بدل‬
              ‫يبكي الرجال وسيف الدين مبتس ٌم‬         ‫ما خلق الحيوية والدينامية في البنى السياقية بما‬
             ‫حتى عن ابنك تعطى الصبر يا جبل‬            ‫يتفق مع الحركة الداخلية للنص‪ ،‬في تتابع نسقي‬
              ‫لم يجهل القوم منه فضل ماعرفوا‬           ‫بديع يسمح بتوليد دفقات شعرية تفيض عذوب ًة‬
                ‫لكن عرفت من التسليم ما جهلوا‬        ‫وجما ًل‪ .‬وذلك نلاحظه من خلال تناوب التفعيلات‬

 ‫ويظهر أبو فراس على الأمير الفقيد شتى ضروب‬             ‫في النصين السابقين‪ ،‬فتفعيلات البحر البسيط‪:‬‬
‫اللوعة والحزن والتفجع‪ ،‬ولا غرو في ذلك‪ ،‬فالفقيد‬        ‫تتحول من مستفعلن إلى متفعلن في نص المعتمد‪،‬‬
‫يمت بصلة قريبة إليه‪ ،‬كما أن أسر الشاعر وبعده‬
‫عن الأهل والوطن أضفى على نفسه كآبة ووحشة‪،‬‬                 ‫وفي نص أبي فراس‪ :‬تتحول تفعيلات البحر‬
                                                    ‫السريع‪ :‬مستفعلن أي ًضا إلى متفعلن ومستعلن‪ .‬بما‬
                             ‫وفي ذلك يقول(‪:)12‬‬     ‫يجسد الحضور الإيقاعي لدى الشاعرين في تصوير‬
                    ‫هل تبلغ القمر المدفون رائعة‬
                    ‫من المقال عليها للأسى حلل‬            ‫الانفعالات‪ ،‬وتفسير عذابات الضمير الملتهبة‪.‬‬
                    ‫ما بعد فقدك في أهل ولا ولد‬     ‫ومن تشكيلات الحزن عند الشاعرين‪ :‬رثاء الأقارب‪،‬‬

                       ‫ولا حياة ولا دنيا لنا أمل‬     ‫حيث ورد على أبي فراس وهو في الأسر نبأ وفاة‬
                     ‫يا من أتته المنايا غير حافلة‬   ‫أبي المكارم ابن سيف الدولة سنة ‪354‬هـ‪ ،‬فاشتد‬
                 ‫أين العبيد وأين الخيل والخول؟‬
                 ‫أين الليوث التي حوليك رابضة‬          ‫جزعه على ابن أخته‪ ،‬وأرسل قصيدة يعزي فيها‬
                ‫أين الصنائع أين الأهل ما فعلوا؟‬
                ‫أين السيوف التي يحميك أقطعها‬
               ‫أين السوابق أين البِيض والأسل؟‬
  ‫وقد جاء إلى أبي فراس وهو أسير نبأ موت أمه؛‬
 ‫فرثاها بقصيدة تفيض لوعة وحز ًنا‪ ،‬تعبر عن ألمه‬
  ‫العميم‪ ،‬وحزنه العميق‪ ،‬ويبدو تأثره واض ًحا في‬
      ‫ترديد الدعاء بالسقيا لجدثها حيث يقول(‪:)13‬‬

                       ‫أيا أم الأسير سقا ِك غي ٌث‬
                       ‫بكرة من ِك ما لقي الأسير‬
                       ‫أيا أم الأسير سقا ِك غي ٌث‬

                        ‫تحير لا يقيم ولا يسير‬
                       ‫أيا أم الأسير سقا ِك غي ٌث‬
                      ‫إلى من بالفدا يأتي البشير‬

                         ‫أيا أم الأسير لمن تربى‬
                      ‫إذا مت الذوائب والشعور‬
   ‫ويحرم على نفسه أن يكون هادئ البال‪ ،‬مرتاح‬
 ‫النفس‪ ،‬بعد أن لبت أمه نداء ربها‪ ،‬حيث يقول(‪:)14‬‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60