Page 51 - m
P. 51

‫‪49‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫المرفل “متفاعلن متفاعلاتن”‪ ،‬حيث بدا الإيقاع‬         ‫بالخضوع والاستعطاف‪ ،‬فخرج مداف ًعا عن نفسه‬
 ‫أكثر رون ًقا‪ ،‬وأرق وق ًعا من مقطع أبي فراس الذي‬                                   ‫وأهله وأخذ يقول(‪:)1‬‬
                                                                                    ‫لما تماسكت الدموع‬
   ‫جاء على وفق تفعيلات البحر الطويل ذي النفس‬                                       ‫وتنبه القلب الصديع‬
  ‫الطويل‪ ،‬والمقاطع الكثيرة‪ ،‬كما أن المعتمد استخدم‬                                    ‫وتناكرت هممي لما‬
  ‫تقنية الازدواج الصوتي عبر تناوب حرفي القافية‬
‫“الياء والواو”‪ ،‬ما أعطى النص بع ًدا نفسيًّا‪ ،‬وتناغ ًما‬                          ‫يستامها الخطب الفظيع‬
  ‫إيقاعيًّا‪ ،‬يمفصل النص بحركة دؤوبة تخلق القدر‬                                   ‫قالوا الخضوع سياس ٌة‬
                                                                                 ‫فليبد منك لهم خضوع‬
                             ‫الكافي من الشعرية‪.‬‬                                 ‫وألذ من طعم الخضوع‬
                   ‫وفي نص آخر يقول المعتمد(‪:)3‬‬
                ‫بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي‬                                     ‫على فمي السم النقيع‬
                  ‫سوارح لا سجن يعوق ولا كبل‬                                        ‫إن يسلب القوم العدا‬
                                                                                ‫ملكي وتسلمني الجموع‬
                      ‫ولم تك والله المعيذ حسادة‬                                     ‫فالقلب بين ضلوعه‬
                   ‫ولكن حنينا إن شكلي لها شكل‬                                    ‫لم تسلم القلب الجموع‬
               ‫فاسرح لا شملي صديع ولا الحشا‬                                     ‫لم أستلب شرف الطباع‬
                    ‫وجيع ولا عيناي يبكيهما ثكل‬                                  ‫أيسلب الشرف الرفيع؟‬
                    ‫هنيئًا لها إن لم يفرق جميعها‬                                 ‫ما سرت قط إلى القتال‬
                 ‫ولا ذاق منها البعد عن أهلها أهل‬                                 ‫وكان من أملي الرجوع‬
                    ‫وإن لم تب ْت مثلي تطير قلوبها‬
            ‫إذا اهتز باب السجن أو صلصل القفل‬                                         ‫شيم الألى أنا منهم‬
                   ‫لنفسي إلى لقيا الحمام تشو ٌف‬                                  ‫والأصل تتبعه الفروع‬
                ‫سواي يحب العيش في ساقه كبل‬                 ‫هذا النص يتفق مع قول أبي فراس عندما وقع‬
                    ‫ألا عصم الله القطا في فراخها‬              ‫أسي ًرا في أيدي الروم بعد أن طالبه أصحابه‬
                    ‫فإن فراخي خانها الماء والظل‬
  ‫نلاحظ هذا النص يتماثل صياغ ًة وإيقا ًعا مع نص‬                                             ‫بالفرار(‪:)2‬‬
  ‫أبي فراس وهو يخاطب حمامة في سجنه‪ ،‬ويبثها‬                              ‫وقال أصيحابي الفرار أو الردى‬

                                 ‫همومه قائ ًل(‪:)4‬‬                           ‫فقلت هما أمران أحلاهما مر‬
                   ‫أقول وقد ناحت بقربي حمامة‬                                ‫ولكنني أمضي لما لا يعينني‬
                    ‫أيا جارتا هل بات جالك حالي‬                        ‫وحسبك من أمرين خيرهما الأسر‬
                ‫معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى‬                              ‫فلا خير في دفع الردى بمذل ٍة‬
                    ‫وما خطرت منك الهموم ببالي‬                              ‫كما ردها يو ًما بسوءته عمرو‬
                                                        ‫نلاحظ تشابه المعاني بين النصين‪ ،‬فكلاهما تنضح‬
                     ‫أتحمل محزون الفؤاد قوادم‬           ‫منه النفس الأبية العزيزة الرافضة للتولي والفرار‪،‬‬
                     ‫على غصن نائي المسافة عا ِل‬           ‫بل حتى الاستسلام‪ ،‬وقد ف َّضل كل واحد منهما‬
                 ‫أيا جارتا من أنصف الدهر بيننا‬            ‫الموت على ذل الخضوع‪ ،‬وقهر اليأس‪ ،‬على الرغم‬
                      ‫تعالي أقاسمك الهموم تعالي‬           ‫من أن المعتمد أُس َر هو وأسرته‪ ،‬و ُخلع من ملكه‬
                   ‫أيضحك مأسور وتبكي طليقة‬                 ‫وسلطانه‪ ،‬أما أبو فراس فقد تم أسره في سرية‬
                    ‫ويسكت محزون ويندب سا ِل‬               ‫فرسان في إحدى ضواحي منبج‪ ،‬ومع ذلك تظل‬
                   ‫لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة‬           ‫نفس العربي أبية جامحة‪ ،‬لمحنا ذلك في النصين‬
                    ‫ولكن دمعي في الحوادث غا ِل‬
  ‫ونجد التشابه إلى ح ٍد كبي ٍر بين النصين السابقين‬                             ‫السابقين لكلا الشاعرين‪.‬‬
                                                         ‫وقد جاء نص المعتمد على تفعيلات مجزوء الكامل‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56