Page 180 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 180

‫العـدد ‪١٩‬‬                              ‫‪180‬‬

                                ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                               ‫متبادل بين الأفراد‪.‬‬
                                                                    ‫في الأيام الأخيرة‪ ،‬كنّا‬
      ‫نفسه (وهذا طب ًعا على‬          ‫لا يمكن مكافحة فيروس‬         ‫نسمع مرا ًرا وتكرا ًرا أن كل‬
     ‫اعتبار أننا نميل هنا إلى‬                                      ‫واحد منّا مسئول شخصيًّا‬
‫تصديق الإحصاءات الرسمية‬             ‫كورونا إلا إذا كان يصاحبه‬    ‫ويجب عليه اتباع التعليمات‪،‬‬
     ‫بالنسبة لعدد الضحايا)‪.‬‬                                          ‫وداهمتنا وسائل الإعلام‬
     ‫يقول اقتصادي الموارد‬                ‫مكافحة ضد الغموض‬           ‫بالقصص عن الأشخاص‬
     ‫البيئية‪« ،‬مارشال بيرك»‬
 ‫(‪ ،)Marshall Burke‬مؤك ًدا‬           ‫الأيديولوجي الذي يعمينا‬          ‫الذين أساءوا التصرف‬
  ‫هذه الصلة بين تلوث الهواء‬                                       ‫ووضعوا أنفسهم والآخرين‬
  ‫والوفيات المبكرة المرتبطة‬            ‫عن رؤية حقيقة الواقع‬     ‫في خطر؛ منها صورة الرجل‬
   ‫بهذا التلوث‪« :‬عند أخذ هذا‬
   ‫العامل بعين الاعتبار‪ ،‬فمن‬       ‫العالمي‪ ،‬وكجزء من النضال‬          ‫المصاب الذي يدخل إلى‬
‫الطبيعي‪ ،‬مع الاعتراف بغرابة‬                                       ‫متجر و َيس ُعل على الجميع‪..‬‬
‫الأمر‪ ،‬أن نتساءل ما إذا كانت‬                 ‫الإيكولوجي العام‬   ‫إن المشكلة في هذه السياسة‬
‫الأرواح التي نجت من الموت‬
 ‫بسبب التلوث‪ ،‬وبعد موجات‬        ‫الإنسان يمثل «التكلفة الخفية‬         ‫هي نفسها المشكلة التي‬
    ‫الاضطراب في الاقتصاد‬          ‫للتنمية الاقتصادية‪ .‬فالبشر‬    ‫تعاملنا بها مع الأزمة البيئية‪:‬‬
                                    ‫يذهبون إلى أماكن كثيرة‬
       ‫بسبب تفشي فيروس‬             ‫و ُيع ّرضون أنفسهم للخطر‬        ‫فقد ركزت وسائل الإعلام‬
 ‫كورونا‪ ،‬تتجاوز عدد ضحايا‬          ‫أكثر فأكثر‪ ،‬وهم ينشئون‬       ‫على مسئوليتنا الشخصية عن‬
                                                                ‫التلوث‪ ،‬مطالبة إيانا بأن نولي‬
    ‫الفيروس نفسه؟» ويجيب‬        ‫موائل ويبتدعون عادات تنتقل‬
 ‫«بيرك» على ذلك بأنه «حتى‬       ‫في ظلها الفيروسات بسهولة‬           ‫المزيد من الاهتمام لإعادة‬
‫في ظل الافتراضات المتحفظة‬                                        ‫التدوير وغيرها من الظواهر‬
  ‫للغاية‪ ،‬أعتقد أن الإجابة هي‬        ‫أكبر‪ ،‬ومن ثم يتفاجأون‬
 ‫نعم»‪ .‬ويمضي قائ ًل‪« :‬خلال‬        ‫بوجود فيروسات جديدة»‪.‬‬                           ‫السلوكية‪.‬‬
                                 ‫لذا‪ ،‬فبجانب قيام نوع من‬         ‫لكن مثل هذا التركيز على‬
    ‫شهرين فقط من انخفاض‬
   ‫مستويات التلوث‪ ،‬تم إنقاذ‬         ‫الرعاية الصحية العالمية‬         ‫المسئولية الفردية ‪-‬وهو‬
  ‫حياة أربعة آلاف طفل دون‬           ‫للبشر‪ ،‬يجب أخذ الطبيعة‬        ‫ضروري إلى حد ما‪ -‬يعمل‬
  ‫سن الخامسة‪ ،‬وحياة ثلاثة‬                                         ‫كأيديولوجيا لأنه ينزع إلى‬
‫وسبعين ألف مسن‪ ،‬فوق عمر‬                ‫بعين الاعتبار‪ .‬تهاجم‬        ‫إخفاء القضايا والمشكلات‬
   ‫السبعين‪ ،‬وهذا في الصين‬         ‫الفيروسا ُت النباتات أي ًضا‪،‬‬  ‫الكبرى المتعلقة بتغيير نظامنا‬

                   ‫وحدها»‪.‬‬           ‫وهي المصادر الرئيسية‬            ‫الاقتصادي والاجتماعي‬
   ‫إننا إذن أمام أزمة ثلاثية‬       ‫لغذائنا‪ .‬علينا أن نضع في‬         ‫بأكمله‪ .‬ولا يمكن مكافحة‬
 ‫الأبعاد‪ :‬الأول هو البعد الطبي‬    ‫اعتبارنا باستمرار الصورة‬
   ‫(الوباء نفسه)‪ ،‬والثاني هو‬      ‫الكبيرة لعالمنا الذي نعيش‬            ‫فيروس كورونا إلا إذا‬
                                    ‫فيه‪ ،‬مع كل ما يحمله من‬         ‫كان يصاحبه مكافحة ضد‬
      ‫البعد الاقتصادي (الذي‬                                       ‫الغموض الأيديولوجي الذي‬
    ‫سيضرب بشدة مهما كان‬                ‫مفارقات‪ .‬وعلى سبيل‬       ‫يعمينا عن رؤية حقيقة الواقع‬
‫حجم الوباء ونتيجته)‪ ،‬والثالث‬      ‫المثال‪ ،‬فمن الأهمية الوعي‬      ‫العالمي‪ ،‬وكجزء من النضال‬
    ‫هو البعد النفسي‪ .‬والواقع‬      ‫بأن الإغلاق العام للمحلات‬
     ‫أن الإحداثيات الأساسية‬        ‫في الصين بسبب فيروس‬               ‫الإيكولوجي العام‪ .‬وكما‬
  ‫لحياة ملايين من البشر في‬          ‫كورونا‪ ،‬أنقذ أروا ًحا أكثر‬  ‫قالت وزيرة البيئة الأسترالية‬
                                   ‫من عدد ضحايا الفيروس‬         ‫السابقة‪« ،‬كيت جونز» (‪Kate‬‬
                                                                ‫‪ ،)Jones‬فإن انتقال الأمراض‬

                                                                     ‫من الحيوانات البرية إلى‬
   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185