Page 175 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 175

‫حول العالم ‪1 7 5‬‬

 ‫في تحميل الدولة المسئولية‬       ‫ومدركة لعجزها عن السيطرة‬         ‫فالفيروس مجرد إنفلونزا‬
   ‫إلى حد كبير‪ ،‬وكأن لسان‬           ‫على مثل الوضع‪ ..‬هل هذه‬     ‫طبيعية‪ ،‬ولا يختلف كثي ًرا عن‬
       ‫حالهم يقول‪ :‬لقد كان‬           ‫العلامات هي مجرد حيلة‬     ‫تلك الأمراض التي تؤثر علينا‬
  ‫لديكم السلطة والمعلومات‬                           ‫وخدعة؟‬
    ‫والبيانات‪ ،‬والآن ظهر لنا‬       ‫إن رد فعل أغامبين يمثل‬       ‫كل عام‪ .‬هناك سببان لذلك‪:‬‬
  ‫ما يمكنكم القيام به! ويبدو‬          ‫صورة متطرفة للموقف‬        ‫الأول هو القول بأنه بمجرد‬
                                   ‫اليساري السائد بخصوص‬       ‫استنفاد فكرة الإرهاب كذريعة‬
 ‫لي أن التحدي الذي تواجهه‬          ‫تفسير «حالة الذعر المبالغ‬   ‫لفرض تدابير استثنائية‪ ،‬فإن‬
      ‫أوروبا هو إثبات أن ما‬         ‫فيها» والناجمة عن انتشار‬
                                    ‫الفيروس؛ كوسيلة لتقوية‬         ‫اختراع أزمة الوباء يمكن‬
    ‫فعلته الصين اليوم يمكن‬             ‫سلطة الدولة وتحكمها‬        ‫أن يقدم الذريعة المناسبة‬
 ‫أن يتم بطريقة أكثر شفافية‬           ‫في المجالات الاقتصادية‬      ‫لتوسيع نطاق هذه التدابير‬
                                      ‫والاجتماعية‪ ،‬إلى جانب‬     ‫الاستثنائية بدون أي قيود»‪.‬‬
    ‫وديمقراطية‪ ،‬مع الوضع‬            ‫السيطرة العنصرية التامة‬       ‫والسبب الثاني هو «حالة‬
    ‫في الاعتبار أن‪« :‬الصين‬          ‫(كأن نلقي باللوم على بلد‬       ‫الخوف التي انتشرت في‬
                                   ‫بأكمله كما هو الحال عندما‬     ‫السنوات الأخيرة وأصابت‬
      ‫أدخلت تدابير من غير‬          ‫أشار ترامب إلى «الفيروس‬       ‫وعي الأفراد و ُترجمت إلى‬
  ‫المرجح أن تتحملها أوروبا‬             ‫الصيني»!)‪ ..‬ومع ذلك‪،‬‬   ‫حاجة حقيقية لمواجهة حالات‬
  ‫الغربية والولايات المتحدة‪،‬‬          ‫فإن مثل هذا التفسير لا‬    ‫الذعر الجماعي‪ ،‬والتي تقدم‬
  ‫ربما على حسابها الخاص‪.‬‬            ‫يخفي حقيقة التهديد‪ .‬فهل‬
  ‫وبعبارة أخرى أوضح‪ ،‬من‬                ‫يجبرنا هذا الواقع على‬        ‫هذا المرض الحالي مرة‬
  ‫الخطأ تفسير جميع أشكال‬           ‫تقييد حرياتنا بشكل فعال؟‬     ‫أخرى كذريعة مثالية لفرض‬
 ‫الاستشعار والنمذجة بشكل‬            ‫بطبيعة الحال‪ ،‬فإن الحجر‬
 ‫عفوي على أنها «مراقبة» أو‬                                                     ‫سيطرتها»‪.‬‬
 ‫سيطرة‪ ،‬والحكم الفاعل على‬         ‫الصحي والإجراءات المماثلة‬    ‫يصف أغامبين جانبًا مه ًّما‬
  ‫أنه «تحكم اجتماعي»‪ .‬نحن‬             ‫تحد من حريتنا‪ ،‬وهناك‬
 ‫بحاجة إلى مفردات مختلفة‬                                         ‫من سيطرة الحكومات عند‬
                                   ‫حاجة إلى نشطاء جدد مثل‬         ‫حدوث الأوبئة‪ ،‬لكن هناك‬
         ‫وأكثر دقة للتدخل‪.‬‬       ‫«تشيلسي مانينغ»‪ ،‬و«جوليان‬      ‫تساؤلات أغفلها أغامبين أو‬
    ‫كل شيء يتوقف على‬              ‫أسانج»‪ ،‬و«إدوارد سنودن»؛‬         ‫على الأقل لم يجب عنها‪،‬‬
   ‫هذه «المفردات والمفاهيم‬                                    ‫منها‪ :‬لماذا تهتم سلطة الدولة‬
  ‫الدقيقة»‪ ،‬ولا يجب اختزال‬            ‫لفضح الإساءة المحتملة‬      ‫بتغذية مثل هذا الذعر الذي‬
 ‫التدابير التي تتطلبها الأوبئة‬      ‫لاستخدام السلطة في مثل‬    ‫يصاحبه عدم ثقة في الحكومة‬
  ‫تلقائيًّا إلى النموذج المعتاد‬                                ‫(«إنهم عاجزون‪ ،‬ولا يفعلون‬
‫للمراقبة والتحكم الذي يدعو‬            ‫هذا الوضع‪ ،‬لكن التهديد‬      ‫ما يكفي‪ ،)»..‬والذي يفسد‬
‫إليه مفكرون من أمثال فوكو‪.‬‬          ‫بالعدوى الفيروسية أعطى‬       ‫بالضرورة التكاثر السلس‬
    ‫لأن ما أخشاه اليوم أكثر‬      ‫في الواقع دفعة هائلة لأشكال‬   ‫لرأس المال؟ هل من مصلحة‬
  ‫من الإجراءات التي تطبقها‬        ‫جديدة من التضامن المحلي‬      ‫رأس المال وسلطة الدولة أن‬
 ‫الصين وإيطاليا وغيرها هو‬            ‫والعالمي‪ ،‬كما كشف عن‬        ‫تثير أزمة اقتصادية عالمية‬
‫أن مثل هذه الدول تطبق هذه‬        ‫ضرورة مراقبة عمل الحكومة‬      ‫من أجل تجديد حكمها؟ وهل‬
  ‫الإجراءات بطريقة لا تعمل‬         ‫ذاتها وتعاملها بشفافية مع‬  ‫العلامات الواضحة التي تقول‬
   ‫على احتواء الوباء أو الحد‬                                      ‫بأن سلطة الدولة نفسها‪،‬‬
  ‫منه‪ ،‬لأن السلطات الحاكمة‬                        ‫المواطنين‪.‬‬     ‫وليس فقط الناس العاديين‬
‫تتعامل مع البيانات الحقيقية‬       ‫حسنًا‪ ،‬إن الناس على حق‬
                                                                    ‫وحدهم‪ ،‬مذعورة أي ًضا‬
   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180