Page 179 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 179

‫حول العالم ‪1 7 9‬‬

‫المتفشية يمثل علامة واضحة‬       ‫ملايين الأرواح‪ ..‬باختصار‪،‬‬     ‫مستحي ًل في إحداثيات النظام‬
    ‫على أن «مجتمعنا لم َي ْعد‬    ‫فإن رسالتهم الحقيقية هي‬       ‫العالمي‪ .‬فإذا كان المستحيل‬
      ‫يؤمن بأي شيء سوى‬                                         ‫بالفعل قد حدث‪ ،‬وقد توقف‬
                                   ‫أنه سيتعين علينا تقليص‬      ‫عالمنا‪ ،‬فإن المستحيل الآخر‬
‫«الحياة العارية» (‪)Bare Life‬‬        ‫أركان وطبيعة تفاعلاتنا‬    ‫الذي أقصده هو ما علينا فعله‬
    ‫(الاهتمام فقط بالحاجات‬      ‫الاجتماعية‪ ،‬خاصة بالنسبة‬
      ‫البيولوجية الأساسية)‪.‬‬      ‫لرعاية المسنين والضعفاء‪.‬‬       ‫لتجنب الأسوأ‪ ،‬فما هو هذا‬
                                   ‫وقد أعلنت إيطاليا بالفعل‬         ‫المستحيل الذي أعنيه؟‬
  ‫فمن الواضح أن الإيطاليين‬        ‫أنه إذا ساءت الأمور‪ ،‬فإن‬
    ‫الآن مستعدون للتضحية‬          ‫أولئك الذين تزيد أعمارهم‬        ‫لا أعتقد أن أكبر تهديد‬
    ‫عمليًّا بكل شيء ‪-‬ظروف‬      ‫عن ‪ 80‬عا ًما أو الذين يعانون‬      ‫يواجهنا هو الانحدار نحو‬
   ‫الحياة الطبيعية والعلاقات‬      ‫من أمراض خطيرة أخرى‬          ‫البربرية البدائية أو الهمجية‪،‬‬
    ‫الاجتماعية والعمل وحتى‬      ‫سيتركون ببساطة ليموتوا‪.‬‬
                                  ‫يجب أن نلاحظ أن هذا‬               ‫أو إلى حالة من العنف‬
  ‫أشكال الصداقة والمعتقدات‬       ‫المنطق («البقاء للأصلح»)‬          ‫الوحشي مع اضطرابات‬
     ‫الدينية والسياسية‪ -‬في‬      ‫ينتهك حتى المبدأ الأساسي‬          ‫عامة وحالات من الإعدام‬
                                ‫للأخلاقيات العسكرية‪ ،‬وهو‬       ‫في ظل غياب سلطة شرعية‪،‬‬
  ‫مقابل عدم تعرضهم لخطر‬           ‫المبدأ الذي يدعونا إلى أنه‬   ‫وما إلى ذلك (على الرغم من‬
‫الإصابة بالمرض‪ .‬لكن الحياة‬          ‫بعد المعركة‪ ،‬يجب على‬        ‫أنه مع حالة انهيار الصحة‬
                                  ‫الأطباء العسكريين رعاية‬         ‫العالمية وبعض الخدمات‬
    ‫العارية ‪-‬وخطر فقدانها‪-‬‬      ‫المصابين بجروح بالغة أو ًل‬         ‫العامة الأخرى‪ ،‬فإن هذا‬
 ‫ليست شيئًا يوحد الناس‪ ،‬بل‬     ‫حتى لو كانت فرصة إنقاذهم‬           ‫ممكن أي ًضا)‪ ..‬ما أخشاه‬
                                 ‫عند حدها الأدنى‪ .‬ولتجنب‬
   ‫يعميهم ويعزلهم عن رؤية‬       ‫سوء الفهم هنا‪ ،‬أود أن أؤكد‬           ‫أكثر من البربرية التي‬
             ‫حقيقة الواقع»‪.‬‬    ‫أنني واقعي تما ًما‪ :‬يجب علينا‬    ‫تتقنع بقناع الإنسانية‪ ،‬التي‬
                               ‫توفير الأدوية حتى للمرضى‬
 ‫ومع هذا ومع الإقرار بأن‬            ‫الذين لا يعانون إلى حد‬        ‫تتمثل في اتخاذ إجراءات‬
  ‫نظرتنا للعالم الآن ضبابية‪،‬‬   ‫كبير‪ ،‬وتجنيبهم المعاناة غير‬         ‫نجاة لا ترحم و ُتنفذ في‬
   ‫والأمور أكثر غمو ًضا‪ ،‬فإن‬      ‫الضرورية‪ .‬ولكن يجب ألا‬       ‫ظل حالة من الأسف والندم‬
   ‫التهديد بالموت قد يوحدنا‬     ‫يكون مبدأنا الأول هو تقديم‬    ‫والتعاطف‪ ،‬وتستمد شرعيتها‬
  ‫جمي ًعا؛ فالحفاظ على وجود‬        ‫(الاقتصاد) على الصحة‪،‬‬          ‫من آراء الخبراء الطبيين‪.‬‬
                                    ‫بل مساعدة أولئك الذين‬         ‫يمكن للمراقب الدقيق أن‬
     ‫مسافة جسدية آمنة من‬           ‫يحتاجون إلى المساعدة؛‬         ‫يلاحظ بسهولة تغير نغمة‬
     ‫الآخر يتضمن بشكل أو‬           ‫لتمكين بقائهم‪ ،‬دون قيد‬      ‫خطاب المسئولين وأصحاب‬
     ‫بآخر إظهار الاحترام له‬      ‫أو شرط‪ ،‬وبغض النظر عن‬           ‫السلطة‪ ،‬وهم لا يحاولون‬
‫(رغم الأنانية المقنعة في هذا‬                                   ‫فقط إبراز الهدوء والثقة‪ ،‬بل‬
‫الوضع) لأنني قد أكون أي ًضا‬                      ‫التكاليف‪.‬‬    ‫ينطقون أي ًضا بتنبؤات رهيبة‬
   ‫حام ًل للفيروس‪ .‬يتجنبني‬        ‫كما أنني هنا ومع كامل‬        ‫بشكل منتظم‪ ،‬من قبيل‪ :‬من‬
‫أبنائي الآن لأنهم يخشون أن‬      ‫احترامي لجورجيو أغامبين‪،‬‬          ‫المرجح أن يستمر الوباء‬
‫يلوثوني‪ .‬وما قد يكون مر ًضا‬        ‫لا أتفق معه في قوله بأن‬        ‫حوالي عامين حتى يمكن‬
  ‫طار ًئا بالنسبة لهم يمكن أن‬                                 ‫الوقوف على أسبابه وعلاجه‪،‬‬
 ‫يكون مميتًا بالنسبة لي‪ .‬وإذا‬        ‫تعاملنا مع هذه الأزمة‬      ‫وسيصيب الفيروس حوالي‬
‫كانت قاعدة البقاء في الحرب‬                                       ‫من ‪ 60‬إلى ‪ 70‬في المائة‬
  ‫الباردة هي (التدمير المؤكد‬                                      ‫من سكان العالم‪ ،‬حاص ًدا‬
    ‫المتبادل) (‪ ،)MAD‬فإنها‬
    ‫الآن صورة أخرى مماثلة‬
 ‫لها‪ -‬مسافة مضمونة بشكل‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184