Page 177 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 177

‫حول العالم ‪1 7 7‬‬

    ‫يفيد الظ ّن دون اليقين به)‬          ‫التساؤلات المه َّمة التي‬      ‫وإذا كان لنا أن نأخذ من‬
‫(‪)Speculative Judgment‬؛‬                                               ‫«الفلسفة» منطل ًقا وطريقة‬
 ‫تأكي ًدا لهوية الأعلى والأدنى‪.‬‬          ‫أثارتها جائحة فيروس‬         ‫لنا في توجهاتنا الأساسية‬
                                                                     ‫في الحياة‪ ،‬فسيتعين علينا‬
     ‫أفضل مثال معروف من‬               ‫كورونا‪ ،‬حتى بالنسبة إلى‬        ‫الانخراط في ثورة فلسفية‬
  ‫هيجل هو «الروح هي عظم»‬
                                      ‫مراقب مثلي ليس لديه إلا‬              ‫حقيقية إزاء الواقع‪.‬‬
    ‫في تحليله «للفرينولوجيا»‬                                           ‫لتوضيح هذه النقطة‪،‬‬
      ‫‪ =( Phrenology‬العلم‬               ‫قدر محدود من البيانات‬     ‫اسمحوا لي أن أقتبس تعري ًفا‬
                                                                       ‫شائ ًعا للفيروسات يقول‬
  ‫بفراسة الدماغ) كما جاء في‬         ‫عنها‪ :‬إلى أ ِّي مدى ستنتهي‬     ‫بأنها «أشياء معدية مختلفة‪،‬‬
‫كتابه «فينومينولوجيا الروح»‪.‬‬                                      ‫وعادة ما تكون فوق مجهرية‬
‫إن الصورة هنا هي أن «الروح‬               ‫الإحصائيات؟ وأين تبدأ‬      ‫للغاية‪ ،‬وتتكون من أحماض‬
 ‫تمثل فيرو ًسا»‪ .‬أليست الروح‬                                      ‫نووية‪ ،‬مع بعص البروتينات‪،‬‬
                                                   ‫الأيديولوجيا؟‬        ‫وهي تصيب الحيوانات‬
   ‫البشرية أي ًضا هي نوع من‬                                       ‫والنباتات والبكتيريا والتكاثر‬
  ‫الفيروسات التي تتطفل على‬            ‫نفسها عن طريق إصابة‬           ‫داخل الخلايا الحية‪ .‬وتعتبر‬
  ‫حيوانية الإنسان‪ ،‬وتستغلها‬       ‫الكائنات الحية الأكثر تطو ًرا‬    ‫الفيروسات وحدات كيميائية‬
  ‫لتكاثرها الذاتي‪ ،‬وتهدده في‬        ‫(فعندما يصيبنا الفيروس‪،‬‬          ‫غير حية‪ ،‬أو أحيا ًنا كائنات‬
‫بعض الأحيان بتدمير وجوده‪.‬‬                                         ‫حية»‪ .‬هذا التذبذب بين الحياة‬
                                      ‫نحن البشر‪ ،‬فإننا نكون‬       ‫والموت أمر بالغ الأهمية؛ لأن‬
     ‫وبما أن اللغة هي وسيلة‬           ‫ببساطة بمثابة آلة نسخ‬         ‫الفيروسات لا هي حية‪ ،‬ولا‬
  ‫الروح‪ ،‬فلا ينبغي أن ننسى‬          ‫خاصة به)‪ .‬هذه هي حالة‬           ‫هي ميتة‪ ،‬بالمعنى المألوف‬
  ‫أن اللغة أي ًضا‪ ،‬عند مستواها‬         ‫المصادفة من الأضداد‬        ‫لهذين المصطلحين؛ فهي نوع‬
    ‫الأساسي‪ ،‬أحيا ًنا ما تكون‬       ‫‪-‬البدائية والطفيلية‪ -‬التي‬      ‫من الموتى الأحياء (إذا جاز‬
 ‫شيئًا آليًّا؛ أعني كونها قواعد‬  ‫تكمن عندها سر الفيروسات‪:‬‬            ‫التعبير)‪ .‬فالفيروس يكون‬
                                    ‫فهي نموذج لما أطلق عليه‬        ‫على قيد الحياة في محاولته‬
    ‫علينا أن نتعلمها ونتبعها‪.‬‬          ‫شيلينج «البقية التي لا‬       ‫للتكاثر‪ ،‬لكنه يمثل نو ًعا من‬
     ‫وفي هذا الإطار‪ ،‬ادعى‬          ‫يمكن التخلص منها» (‪Der‬‬          ‫الحياة عند المستوى الأدنى‬
                                    ‫‪:)nie aufhebbare Rest‬‬          ‫لها (المستوى «صفر»)؛ إنه‬
       ‫عالم الأحياء التطوري‪،‬‬        ‫أو الباقي من أدنى أشكال‬        ‫صورة لكاريكاتور بيولوجي‬
‫«ريتشارد دوكينز» (‪Richard‬‬        ‫الحياة‪ ،‬الذي ظهر نتيجة لخلل‬         ‫يفتقر إلى مبدأ النزوع إلى‬
                                   ‫في الآليات القصوى للتوالد‬           ‫الموت كما هو الحال مع‬
    ‫‪ ،)Dawkins‬أن «الميمات»‬          ‫والتكاثر‪ ،‬والذي سيستمر‬          ‫كل الكائنات الحية في أعلى‬
   ‫هي «فيروسات العقل»‪ ،‬أو‬              ‫في مطاردتنا ويصيبنا‬         ‫مستوياتها من التكاثر‪ .‬ومع‬
   ‫هي قوى طفيلية «تستعمر»‬         ‫بالعدوى‪ ،‬وهو باقي لا يمكن‬         ‫هذا‪ ،‬فإن الفيروسات ليست‬
   ‫العقل البشري‪ ،‬وتستخدمه‬        ‫اجتنابه في اللحظات المتفرعة‬         ‫الشكل الأول ّي للحياة التي‬
  ‫كوسيلة للتكاثر‪ -‬وهي فكرة‬          ‫لمستوى أعلى من الحياة‪.‬‬          ‫تطورت منها أشكال أخرى‬
 ‫لم يكن صاحبها سوى (ليف‬             ‫لكن ألا نكون هنا إزاء ما‬       ‫أكثر تعقي ًدا؛ إنها ذات طبيعة‬
   ‫تولستوي)‪ .‬فعادة ما ُينظر‬         ‫يسميه هيجل (الحكم الذي‬           ‫طفيلية خالصة‪ ،‬فهي تكرر‬
  ‫إلى تولستوي على أنه كاتب‬
    ‫وروائي أقل إثارة وأهمية‬
 ‫من دوستويفسكي؛ لأنه (أي‬
  ‫تولستوي) رجل واقعي عفا‬
‫عليه الزمن بشكل ميئوس منه‬
‫ولا يوجد له مكان في الحداثة‪،‬‬
‫على النقيض مما تحمله أعمال‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182