Page 170 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 170

‫العـدد ‪١٩‬‬                               ‫‪170‬‬

                               ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                         ‫عواقب إيجابية غير متوقعة‪.‬‬
                                                                 ‫لقد اقترح المؤرخ الإيطالي‬
    ‫الوضع حالة أتذكرها من‬         ‫ينبغي أن يشعروا بالخجل‬
 ‫شبابي عندما كنت أعيش في‬           ‫ويستحقون الاحتقار ح ًّقا‬        ‫«كارلو جينزبرج» (‪Carlo‬‬
  ‫بلد شيوعي أكد المسئولون‬         ‫في الصين اليوم هم أولئك‬        ‫‪ )Ginzburg‬فكرة مفادها أن‬
                               ‫الذين قلَّ َلوا رسميًا من خطورة‬
       ‫الحكوميون فيه مرا ًرا‬     ‫الوباء بينما كانوا في الوقت‬       ‫شعور المرء بالخجل تجاه‬
  ‫للجمهور أنه لا يوجد سبب‬      ‫ذاته يتخذون الحذر ويفرطون‬         ‫بلده‪ ،‬أو كراهيته لأشياء فيه‪،‬‬
 ‫للذعر‪ ،‬وقد أخذنا جمي ًعا مثل‬                                     ‫قد يكون علام ًة حقيقية على‬
                                      ‫في حماية أنفسهم‪ ،‬بل‬
     ‫هذه التطمينات كعلامات‬       ‫ويتصرفون بنفس الأسلوب‬             ‫قوة انتمائه‪ .‬والواقع أن ما‬
‫واضحة على أنهم هم أنفسهم‬                                            ‫يقوله «جينزبرج» صحيح‬
‫كانوا يعيشون في حالة ذعر!‬           ‫الذى تص َّر َف به من قبل‬
                                  ‫الموظفون السوفييت‪ ،‬أثناء‬             ‫إلى حد كبير؛ وفي هذا‬
  ‫والحقيقة إن للذعر منط ًقا‬    ‫كارثة تشيرنوبيل‪ ،‬حين ادعوا‬           ‫التوقيت بالذات من العزل‬
      ‫خا ًّصا به‪ .‬ففي المملكة‬  ‫علنًا أنه لم تكن هناك أي أزمة‬      ‫والهدوء القسري الذي يخيم‬
                               ‫أو تهديد في الوقت الذي كانوا‬
 ‫المتحدة مث ًل‪ ،‬وبسبب الذعر‬    ‫فيه يعملون على إجلاء أسرهم‬             ‫على العالم‪ ،‬فلعل بعض‬
   ‫الذي أحدثه تفشي فيروس‬         ‫فور وقوع الكارثة‪ ،‬أو أولئك‬     ‫الإسرائيليين يتحلَّون بشجاعة‬
 ‫«كورونا»‪ ،‬اختفت لفات ورق‬           ‫المدراء وكبار المسئولين‬
   ‫التواليت من المتاجر‪ ..‬هذه‬   ‫الذين كانوا ينكرون على الملأ‬       ‫الشعور بالعار من السياسة‬
                                  ‫ظاهرة الاحتباس الحراري‬         ‫التي يتبعها نتنياهو وترامب‪،‬‬
     ‫الحقيقة تذكرني بحادث‬          ‫العالمي في حين كانوا في‬
     ‫غريب مع ورق التواليت‬        ‫الوقت نفسه يشترون منازل‬             ‫وليس بالطبع‪ ،‬شعورهم‬
     ‫من شبابي في جمهورية‬       ‫في نيوزيلندا أو يبنون مخابئ‬       ‫بالعار لكونهم يهو ًدا‪ ،‬بل على‬
     ‫يوغوسلافيا الإشتراكية‪،‬‬        ‫في جبال روكي في غرب‬
   ‫ففجأة بدأت شائعة تنتشر‬       ‫أمريكا الشمالية‪ ..‬ربما يؤدي‬        ‫العكس؛ أعني أن يكون ذلك‬
     ‫وتقول إنه ليس هناك ما‬     ‫الغضب والاستنكار التام لمثل‬         ‫داف ًعا لشعورهم بالعار مما‬
 ‫يكفي منه في المتاجر‪ .‬وعلى‬      ‫هذه المعايير المزدوجة (التي‬         ‫تفعله إسرائيل في الضفة‬
‫الفور أكدت السلطات أن هناك‬     ‫على الأرجح ستدفع بالسلطات‬         ‫الغربية إزاء أثمن تراث تركته‬
   ‫ما يكفي من ورق التواليت‬                                      ‫اليهودية نفسها‪ ..‬وربما أي ًضا‬
     ‫للاستهلاك العادي‪ ،‬لكن‬            ‫إلى التعامل مع الشعب‬        ‫يستجمع بعض البريطانيين‬
‫المثير للدهشة أن هذا لم يكن‬         ‫بشفافية) إلى بزوغ آثار‬      ‫قوتهم الروحية‪ ،‬ويكون لديهم‬
   ‫صحي ًحا فقط‪ ،‬بل إن أغلب‬      ‫جانبية إيجابية غير مقصودة‬        ‫شجاعة الشعور بالخزي من‬
    ‫الناس صدقوا تصريحات‬              ‫لمثل هذا الوباء الراهن‪.‬‬    ‫الوقوع في الحلم الأيديولوجي‬
    ‫السلطات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬                                           ‫الذي أفضى بهم في نهاية‬
‫المستهلك العادي سينظر على‬                       ‫(‪)7‬‬               ‫المطاف إلى خروج بريطانيا‬
‫الأرجح إلى المسألة بالطريقة‬                                        ‫من الاتحاد الأوروبي‪ .‬لكن‬
    ‫التالية‪ :‬أعرف أن هناك ما‬               ‫اهدأ وافز ْع!‬
 ‫يكفي من ورق التواليت وأن‬                                            ‫بالنسبة لمواطني ووهان‬
‫الشائعات خاطئة‪ ،‬لكن ماذا لو‬       ‫تقصفنا وسائل الإعلام‬           ‫المنعزلين وبقية الأفراد حول‬
‫أخذ بعض الناس هذه الشائعة‬           ‫بوتيرة ثابتة بعبارة‪« :‬لا‬
‫على محمل الجد‪ ،‬وبدأوا وهم‬           ‫داعي للذعر!» وبعد ذلك‬         ‫العالم‪ ،‬فإن هذا الوقت ليس‬
 ‫في حالة من الذعر في اكتناز‬                                        ‫مناسبًا للشعور بالخجل أو‬
    ‫المزيد من ورق التواليت‪،‬‬    ‫نكتشف أننا أمام كم هائل من‬
 ‫مما تسبب في النقص الفعلي‬         ‫الإحصائيات التي لا يمكن‬            ‫العار؛ إنه بالأحرى وقت‬
                                                                   ‫تجميع الشجاعة والمثابرة‬
                                 ‫إلا أن تثير ذعرنا‪ .‬يشبه هذا‬      ‫في النضال من أجل القضاء‬
                                                                   ‫على الوباء‪ .‬وعلى كل‪ ،‬فإن‬
                                                                   ‫الأشخاص الوحيدين الذين‬
   165   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175