Page 237 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 237

‫الممثِّل أن يتأقلم مع الدور‬         ‫قادرة على القيام بأعمال‬     ‫من فيلم‬   ‫الوجودية التي تطارد الإنسان‪،‬‬
‫وتشخيص الأداء المناسب لكي‬          ‫أخلاقية مثل النقرة على الباب‬     ‫«الهروب»‬    ‫ويقع بسببها في براثن أزمة‬
                                                                                   ‫الهوية وعدم القدرة على‬
 ‫يتل َّقاه المشاهد بصور عفوية‬                       ‫أثناء الحلم‪.‬‬               ‫التماهي‪ .‬منتصر ابن الحاجر‬
‫وواضحة‪ ،‬ريثما تتش َّرب نفسه‬              ‫ويسجن بتهمة حيازة‬                       ‫الذي جاء ليعمل مع مدحت‬
                                                                                ‫في القاهرة؛ أو القاهرة التي‬
   ‫الإقناع من إبداع الممثل في‬              ‫مخدرات؛ ليخرج إلينا‬                    ‫لم يستطع أن يتماهى مع‬
    ‫تجسيد ومحاكاة شخصية‬              ‫(منتصر) آخر غير الذي بدأ‬                  ‫تناقضاتها الفجة التي تتج َّسد‬
    ‫النص المكتوب في الأدب؛‬         ‫الفيلم بنكتة في القطار‪ .‬منتصر‬                 ‫في مدحت الفاسد ونجوان‬
‫لتظهر في قوة وحضور الممثل‬           ‫ليس المجرم إنما المتم ِّرد كما‬              ‫العاهرة وزوجته التي تركته‬
  ‫والأداء‪ ،‬ذلك هو التشخيص‪.‬‬                                                                 ‫لتلحق بالركب‪.‬‬
   ‫يمكن أي ًضا أن يكون فرويد‬               ‫وصفه عاطف الطيب‪.‬‬                       ‫منتصر الذي يحلم بأن‬
‫حينما ق َّدم مصطلح «التق ُّمص»‬         ‫براعة هذا التحول تمثِّل‬                     ‫يعود لأرضه في الحاجر‬
  ‫أول مرة سنة ‪ 1897‬قبل أن‬             ‫حالة مثالية لمفهوم الممثِّل‪.‬‬              ‫يحرثها ويعيش بسلام بعي ًدا‬
‫يتراص السيجار والشوكولاته‬              ‫لأن الممثل الحق ليس من‬                 ‫عن الفساد‪ ،‬بعي ًدا عن الصخب‬
                                    ‫حاكى الشخصية بشكل جيد‪،‬‬                     ‫والتل ُّون‪ ،‬لكنَّه في نفس الوقت‬
        ‫والقهوة السوداء على‬          ‫إنما من بعث هذه الشخصية‬                     ‫جزء منه يريد أن يكون ابن‬
  ‫الطاولة الكائنة في ‪ 19‬شارع‬          ‫من الموت وأبقاها حاضرة‬                     ‫المدينة‪ .‬حرفيًّا يحلم بذلك‪،‬‬
                                     ‫بقلقها ومشاكلها وهواجسها‬                      ‫فج َّسد عاطف الطيب هذا‬
    ‫برجاسي‪ /‬فيينا؛ أن هناك‬         ‫وتاريخها الذي يمكن أن تعرفه‬                   ‫الصراع في صورة منتصر‬
  ‫من يطبِّق النظرية بحذافيرها‬          ‫من حركات جسده‪ .‬يمكن‬                    ‫يلف حول ساقية وأمه تناديه‪.‬‬
                                    ‫منتصر لا يعرف أن ما أقوله‬                    ‫حتى يصحو من حلمه على‬
    ‫بهذا الشكل‪ .‬لكن ما أعرفه‬        ‫ع َّمن ج َّسد حكايته هو ما كان‬               ‫الواقع أو «الطيخا» ‪،tyche‬‬
 ‫أن أحمد زكي لم يقدم أ ًّيا من‬     ‫يقصده ستانسلافسكي حينما‬                        ‫التي تشير إلى المصادفة‬
‫شخصياته كمشخصاتي بحت‬                    ‫قال إن التمثيل هو القدرة‬                  ‫عندما تؤ ِّثر على مخلوقات‬
                                      ‫على تخ ُّيل المكان والتماهي‬
   ‫وإنما كأ َّن لاهوته لم يفار ْق‬   ‫مع مفهوم منظور الشخصية‬
    ‫ناسوته‪ ،‬ق َّدمهما كأنه هو‪.‬‬        ‫ومنظور الدور‪ ،‬ويجب على‬
   ‫ربما يحيى أبو دبورة لم‬
   ‫يكن يعي تلك النقطة إلا بعد‬
  ‫رحلة شاقة نفسيًّا وجسد ًّيا؛‬
   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242