Page 238 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 238

‫العـدد ‪١٩‬‬                               ‫‪238‬‬

                                ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                             ‫ضابط الشرطة الذي تم‬
                                                                   ‫تحويله لتاجر مخدرات ‪-‬من‬
     ‫الأزمة الوجودية التي‬           ‫يحيى أبو دبورة من مهمة‬
  ‫عاشها يحيى أبو دبورة هي‬        ‫إصلاح الزمان الذي اضطرب‬             ‫الدار للنار‪ -‬من أجل مهمة‬
   ‫أزمة لا تخص المرء وحده‬       ‫وخرج عن محوره‪ ،‬ويستشهد‬            ‫سرية لا يعلم بها سوى أفراد‬
 ‫فى المطلق‪ ،‬لكنها أزمة تخص‬       ‫بكلمات هاملت نفسه أنه لعن‬        ‫معدودين في وزارة الداخلية‪.‬‬
‫جي ًل كام ًل؛ الجيل الذي عايش‬   ‫«قدره الذي جعله يولد لتعديل‬
 ‫دخول المخدرات والتشويش‬                                             ‫فجأة يجد يحيى أبو دبورة‬
   ‫فى الوطن حيث يبدأ الفيلم‬        ‫الزمان الأعوج»‪ .‬هاملت «لا‬          ‫نفسه فاس ًدا‪ ،‬تح َّول لمن‬
‫بتاريخ ‪ -1968‬القاهرة الثورة‬       ‫يلعن فساد الزمان حصر ًّيا‪،‬‬
   ‫الطلابية بعد النكسة وبداية‬     ‫بالعكس‪ ،‬إنه يلعن بادئ ذي‬       ‫يطاردهم‪ ،‬أصبح يطارد نفسه‪،‬‬
                                  ‫بدء النتيجة غير العادلة لهذا‬       ‫يشك في جدوى ما يفعله‪،‬‬
    ‫دخول المخدرات‪ .‬وبعدها‬         ‫الفساد‪ ،‬أي القدر الذي أوكل‬
 ‫تاريخ آخر هو ‪ 15‬مايو ثورة‬        ‫إليه‪ ،‬هو هاملت‪ ،‬مهمة إعادة‬     ‫يشك في وجوده شخصيًّا في‬
 ‫التصحيح فى عصر السادات‬            ‫الزمن المنخلع إلى محوره–‬       ‫أحايين كثيرة‪ ،‬في تلك اللحظة‬
                                ‫إعادته إلى الطريق المستقيمة‪،‬‬
    ‫وذروة وانتشار الحشيش‬           ‫ووضعه بين يدي العدالة»‪.‬‬           ‫ينطبق عليه سؤال أرسطو‬
    ‫في مصر‪ .‬ثم تاريخ ‪1981‬‬       ‫فهو في موقف تراجيدي جعله‬             ‫«فما هو الإنسان؟ أعجوبة‬
‫بداية دخول الهيروين في عهد‬                                           ‫من الضعف‪ ،‬تلف اللحظة‪،‬‬
‫مبارك‪ .‬كل هذا أدى إلى غياب‬           ‫تعي ًسا يلعن مهمة تحقيق‬
 ‫الهوية عند الشعب وإحساسه‬          ‫العدالة‪ ،‬الأخذ بالثأر‪ ،‬إنزال‬           ‫من فيلم «أرض الخوف »‬
 ‫بالتشويش؛ هو نفس الشعب‬          ‫العقوبة‪ ،‬وما يلعنه في مهمته‬
   ‫الذي كانت الحكومة تتح َّكم‬    ‫حص ًرا «كونها مولودة داخله‪،‬‬      ‫حجر لع ٍب بيد الحظ‪ ،‬انعكاس‬
‫في لا وعيه عن طريق ما يظهر‬          ‫معطاة عبر ولادته‪ ،‬معطاة‬           ‫للتغيير‪ ،‬توازن دقيق بين‬
 ‫فى الجرائد ‪-‬حتى المعا ِرضة‬          ‫مع ولادته»‪ ،‬لكن بالنسبة‬           ‫سخط الآلهة والكارثة»‪.‬‬
  ‫منها‪ -‬من أخبار فيما يخص‬         ‫لمنتصر فالأمر مختلف فهو‬
‫الموضوعات المسموح للشعب‬           ‫يتبع طريقة درويش ويفترق‬           ‫أشار هاملت إلى الزمان‬
 ‫أن يتكلَّم فيها وفيما يجب أن‬    ‫عن هاملت ويحيى أبو دبورة‬        ‫الذي خرج عن محوره‪ ،‬والذي‬
‫ينساه‪ .‬هذه استراتيجية الدول‬
    ‫الشمولية ‪-‬التوتاليتارية‪-‬‬          ‫في هكذا أمور إذ لا نجد‬      ‫ر َّجح جاك دريدا كونه يحيل‬
‫للتح ُّكم في الاتجاهات الفكرية‬        ‫لديه أي تأ ُّفف من مهمة‬    ‫أي ًضا إلى «المكان الذي تسير‬
     ‫أو بمعنى أدق كيف يفكر‬       ‫تعديل حياته‪ ،‬بالعكس موقفه‬
                                   ‫من الحياة إيجابي رغم كل‬            ‫فيه الأمور على ما يرام‪،‬‬
     ‫الناس‪ .‬واختصرها فؤاد‬        ‫شيء‪« :‬لا دور لي في حياتي‬           ‫والمكان الذي لا تسير فيه‬
‫الشرنوبي ‪-‬في فيلم الهروب‪-‬‬         ‫سوى أنني‪ /،‬عندما علمتني‬          ‫الأمور على ما يرام‪ ،‬المكان‬
‫بقوله في ايدنا يا فندم ‪In our‬‬   ‫تراتيلها‪ /،‬قلت هل من مزيد؟‪/‬‬          ‫الذي ذبل وتع َّفن»‪ُ .‬يسهب‬
                                  ‫وأوقدت قنديلها‪ /‬ثم حاولت‬       ‫دريدا في تحليل موقف هاملت‬
                   ‫‪.hands‬‬            ‫تعديلها»‪ .‬فرغم ك ِّل شيء‬      ‫الذي أرى تنا ًّصا بينه وبين‬
   ‫أحمد سبع الليل تع َّرض‬        ‫فإنه لا يعلن كهاملت «الزمان‬
  ‫لهذا بشكل لا يختلف كثي ًرا‪،‬‬   ‫مضطرب‪ .‬يا للكيد اللعين‪ /‬أن‬
                                ‫أكون أنا قد ولدت لأصلح منه‬
      ‫فتو ِّضح الفيلسوفة حنا‬     ‫اضطرابه»‪ ،‬بل نجده متمس ًكا‬
     ‫أرندت في كتابها «أسس‬         ‫بهذه الحياة كما أعلن‪« :‬قلت‬

        ‫التوتاليتاري» أن أهم‬                 ‫هل من مزيد؟»‪.‬‬
     ‫أداة تعتمد عليها الأنظمة‬
   ‫التوتاليتارية هي الجماهير‬
   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243