Page 234 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 234

‫العـدد ‪١٩‬‬                               ‫‪234‬‬

                                 ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                             ‫بدلة وربطة عنق يسلِّي‬
                                                                      ‫الأطفال بالحيل السحرية‬
  ‫المقتربة ‪-‬صفارات الإنذار‪،‬‬         ‫للقيام بجولة في المعتقل‪،‬‬      ‫ربما لمدة ست دقائق أخرى‪.‬‬
   ‫التحديق‪ ،‬البندقية‪ ،‬الناي‪-‬‬      ‫واص ًفا إياه بفسحة من أجل‬            ‫في مشهد لاحق‪ ،‬يقترب‬
                                                                   ‫العقيد من المعتقل على ظهر‬
 ‫يزمجر بنفس الصرخة‪ .‬قبل‬               ‫العلاج والسياحة ويق ِّدم‬    ‫حصانه‪ ،‬في الزي العسكري‪،‬‬
     ‫أن يخرج أي سجين من‬          ‫خدمة للمثقفين والكتّاب الذين‬     ‫والن َّظارات الشمسية المعبِّرة‪.‬‬
                                                                     ‫يستجوب رج ًل اع ُتقل في‬
   ‫الشاحنة‪ ،‬يطلق أحمد النار‬                      ‫«يسكنونه»‪.‬‬          ‫احتجاج اشتراكي نسائي‪،‬‬
     ‫بدون تر ُّدد على زملائه‬       ‫ُتستقبل مجموعة جديدة‬              ‫ثم يستجوب الرجل التالي‬

‫الجنود من جميع الرتب‪ ،‬بمن‬             ‫من السجناء بعد إطلاق‬              ‫‪-‬الكاتب– ثم يستجوب‬
                ‫فيهم العقيد‪.‬‬      ‫الكلاب عليهم داخل الشاحنة‬               ‫الأستاذ الجامعي في‬
                                   ‫واستقبالهم بالهراوات حال‬                       ‫الجيولوجيا‪.‬‬
‫عندما تساقطت جميع جثث‬
 ‫العساكر على مرمى البصر‪،‬‬               ‫خروجهم من الشاحنة‪.‬‬              ‫هذه هي الد َّقة الرتيبة‬
 ‫وصل أحمد أخي ًرا إلى الناي‪،‬‬       ‫تصطدم عصا أحمد بجسد‬                  ‫والصمت المزدحم إبان‬
     ‫وهو الأداة الوحيدة التي‬                                        ‫الوقت الثوري‪ .‬هذه الوتيرة‬
   ‫يتعامل معها بعناية‪ ،‬تعمد‬           ‫حسين النازف‪ ،‬فيحاول‬           ‫بدون ثرثرة ميلودرامية أو‬
    ‫شفتاه إلى الناي‪ ،‬ويظهر‬           ‫الدفاع عن جسد حسين‪.‬‬               ‫عرضية اقتحام أغنية أو‬
‫لحن حزين من صعيد مصر‪.‬‬                 ‫ُيسجن «سبع الليل» مع‬           ‫رقصة‪ ،‬يبدو فيها التعذيب‬
   ‫ويستمر وهو يعزف ذها ًبا‬         ‫«حسين» في الزنزانة ُيطلق‬       ‫مثل الحيل السحرية لإضحاك‬
    ‫وإيا ًبا داخل برج المراقبة‬                                     ‫الأطفال في حفلة عيد ميلاد‪.‬‬
‫عندما تباغته رصاصة تحرق‬                ‫عليهما الثعابين السامة‬      ‫إنها رتابة ما هو غير متوقع‬
   ‫صدره وتتوقف الموسيقا‬            ‫التي يموت حسين إثر لدغة‬           ‫وغير قابل للتفسير‪ ،‬حيث‬
 ‫فو ًرا‪ .‬يسقط الدم على الناي‬        ‫إحداها؛ يموت بين ذراعيه‬        ‫يمكن أن تل ِّخص س ُّت دقائق‬
 ‫والبندقية‪ ،‬يموت أحمد أعلى‬        ‫ويصرخ أحمد بصو ٍت أعلى‪.‬‬           ‫من الهدوء المعتاد‪ .‬لا يمكن‬
   ‫البرج‪ .‬عندما تغير الكاميرا‬      ‫ليست هناك حاجة إلى نص‬          ‫تفسير الأجساد التي تتهاوى‬
   ‫المجال البصري بالأسفل‪،‬‬         ‫كامل‪ ،‬لتمت َّد ال ُجمل والحجج‪.‬‬     ‫على الأرض من الإضراب‪،‬‬
    ‫جندي شاب مرتبك يقف‬           ‫يتم إطلاق سراح أحمد أخي ًرا‪.‬‬     ‫والتي ُتج ُّر دون جدوى‪ ،‬ومع‬
      ‫ببندقية في متناول اليد‬      ‫في صباح اليوم التالي يعود‬            ‫ذلك كله تصمد المروحة‬
       ‫ويحدق في جثة أحمد‬         ‫أحمد إلى برج المراقبة‪ .‬يطلب‬         ‫كشكل من أشكال المكتب‪.‬‬
 ‫المتدلية‪ .‬الجندي يسير نحو‬       ‫من صديق أن يرمي له الناي‬            ‫في منتصف الفيلم تقريبًا‪،‬‬
                                                                  ‫يبدأ أحمد بالعزف على الناي‬
‫نقطة التلاشي وحده‪ ،‬مجهو ًل‬           ‫مرة أخرى‪ .‬شفاهه تطبق‬             ‫وإلى جانبه البندقية فوق‬
         ‫يتضاءل ويتلاشى‪.‬‬         ‫على الناي بلا صوت‪ ،‬تقاطعه‬          ‫برج المراقبة‪ُ ،‬يحكم شفتيه‬
                                  ‫صفارات إنذار شاحنة دفعة‬            ‫خلسة على الناي‪ .‬فيصرخ‬
      ‫لم يكن «سبع الليل»‬                                            ‫أحد المجنَّدين فيه ويوبخه‪.‬‬
     ‫ماركسيًّا أو إسلاميًّا‪ .‬لم‬    ‫جديدة من السجناء‪ ،‬العقيد‬       ‫يسقط الناي على الأرض‪ .‬بعد‬
    ‫يكن لديه تو ُّجه باستثناء‬       ‫على حصانه‪ :‬منظر الرعب‬           ‫مقتل الكاتب المعتقل‪ ،‬يأخذ‬
   ‫حبه لقريته‪ .‬ولا يبدو عليه‬                                         ‫العقيد الصحفيين الزائرين‬
  ‫الحذر والاهتمام سوى عند‬                           ‫المعهود‪.‬‬
    ‫تعامله مع الناي‪ ،‬الذي لا‬       ‫يحدق أحمد بجنون أكثر‬
  ‫ُيسمع صوته إلا في النهاية‬       ‫من أي وقت مضى ويصرخ‬
 ‫آ ِذ ًنا برفض الصمت‪ .‬تصبح‬         ‫بغضب في واحدة من أشد‬
  ‫النهاية مر ِبكة عندما لا يعلم‬
     ‫المشاهد إن كان الجنود‬           ‫الصرخات التي يمكن أن‬
                                   ‫يخرجها الفيلم وكأنها أنين‬
                                    ‫ونحيب وكأنها صدى لما‬
                                    ‫سيأتي‪ ،‬المزيد من الجثث‬
                                 ‫المفقودة‪ .‬يح ِّدق في الشاحنة‬
   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239