Page 231 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 231

‫في فيلم «البيضة والحجر» يجلس‬                                          ‫بشكل كبير على أسس‬
‫« ُمستطاع» أمام الضابط الذي يبدو‬                                  ‫معرفية (مصنفة اقتصاد ًّيا)‪،‬‬

    ‫مذهوًل‪ ،‬ثم يأخذ في التفلسف‬                                         ‫حيث تلوح الجدلية بين‬
     ‫حول كيفية انتشار الزيف في‬                                     ‫الحقيقة والجشع في الأفق‪.‬‬
  ‫جميع المدارس والمعامل؛ كيف‬
 ‫يتم ترويج المعلومات لدعم شتى‬                                          ‫«البيضة والحجر» عمل‬
‫التوجهات؛ وكيف أن إيمان الناس‬                                      ‫كوميدي كتبه فريق يو ِّظف‬
      ‫به هو بالأحرى مسألة ضعف‬                                        ‫عاد ًة حالة الرعب النفسي‬
‫وليست غباء‪ ،‬الضعف «ما بيفرقش‬                                      ‫لتق ِّصي المشكلات الأخلاقية‬
                                                                 ‫والربحية‪ .‬الأهم من ذلك‪ ،‬في‬
               ‫بين متعلم وجاهل»‬                                     ‫حين تنتهي أعمال أبو زيد‬
                                                                   ‫وعلي عبد الخالق تراجيد ًّيا‬
     ‫يخرج من بوابة رخامية‬          ‫وليست غباء‪ ،‬الضعف «ما‬           ‫لاستحضار موقف أخلاقي‬
‫تعلوها رسوم مصرية قديمة‪،‬‬        ‫بيفرقش بين متعلم وجاهل»‪.‬‬
                                                                        ‫واضح حول التواضع‬
    ‫ويمد كلتا يديه إلى الأمام‬      ‫ومرة أخرى‪ ،‬يتضح معنى‬          ‫المعرفي ورفض الجشع –مثل‬
    ‫للقبض على كف الضابط‬            ‫اسم « ُمستطاع» –المقدرة–‬
  ‫ليدرسه‪ ،‬يمرر إصبعه على‬                                              ‫فيلم «جري الوحوش»‪-‬‬
 ‫راحة يده‪ ،‬يداعبها‪ ،‬ثم يربت‬         ‫وتصير دلالته مركز هذا‬        ‫ينتهي فيلم «البيضة والحجر»‬
                                     ‫الأداء‪ :‬الضعف هنا ليس‬
      ‫عليها برفق قبل تركها‪.‬‬         ‫الافتقار إلى المقدرة على‬         ‫بالإفراج عن مستطاع من‬
  ‫يبتسم ثم ينحرف لمواجهة‬             ‫المقاومة‪ ،‬لكن في فقدان‬          ‫السجن دون أن يلحق به‬
  ‫المدى فوق الكاميرا‪ ،‬يتق َّدم‬    ‫الذات‪ ،‬نظ ًرا لتشظيها وعدم‬       ‫أذى ودون معاقبته –نموذج‬
   ‫« ُمستطاع» إلى الأمام‪ ،‬كما‬    ‫إمكانية فصلها عن التو ُّترات‬     ‫مشابه لذلك في فيلم «معالي‬
‫لو كان سيخرج من الشاشة‪،‬‬               ‫السياسية والرأسمالية‪،‬‬
                                ‫والرغبة في عيش حياة كريمة‬              ‫الوزير» (‪ –)2002‬فلا‬
       ‫يحدق في المشاهدين‬         ‫اقتصاد ًّيا‪ ،‬وعدم القدرة على‬       ‫ُيص ِّدق ضابط شرطة أثناء‬
  ‫بعينيه الواسعتين‪ ،‬وشفتاه‬                                       ‫استجوابه مستطاع أنه دجال‪،‬‬
‫مشدودتان بابتسام ٍة ساخرة‪،‬‬             ‫مقاومة ذلك التش ّظي‪.‬‬         ‫وأ َّن خروجه إلى المجتمع‬
                                    ‫ُيشار إلى رعب الخواء‬          ‫سيتر َّتب عليه عواقب وخيمة‬
       ‫علامة على الانتصار‪.‬‬        ‫النفسي وفقدان القدرة على‬       ‫على الجسم الجماعي‪ .‬يواسي‬
   ‫في الواقع‪ ،‬ينتهي الفيلم‬       ‫تمييز الذات من خلال فقدان‬        ‫الضابط « ُمستطاع» ولاسيما‬
 ‫مع تج ُّمد الشاشة على أغنية‬    ‫القدرة على أن يكون مستطاع‬
  ‫كوميدية من منتصف الفيلم‬            ‫مواطنًا ذا إرادة مستقلَّة‪.‬‬        ‫وأن دقة قراءته للطالع‬
 ‫يغنيها أحمد زكي‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬          ‫بابتسامة هادئة وخطوات‬        ‫المنشورة في الصحف تشهد‬
‫فإن المنظور ير ِّكز على وجهه‬         ‫ثابتة‪ ،‬يمشي « ُمستطاع»‬
‫الخفي المرتعب الذي يواصل‬            ‫بموازاة الضابط المرافق‪،‬‬                         ‫له بذلك‪.‬‬
  ‫صعوده الاجتماعي متخطيًا‬                                            ‫يجلس « ُمستطاع» أمام‬
                                                                   ‫الضابط الذي يبدو مذهو ًل‪،‬‬
                                                                   ‫ثم يأخذ في التفلسف حول‬
                                                                      ‫كيفية انتشار الزيف في‬
                                                                    ‫جميع المدارس والمعامل؛‬
                                                                   ‫كيف يتم ترويج المعلومات‬

                                                                        ‫لدعم شتى التوجهات؛‬
                                                                     ‫وكيف أن إيمان الناس به‬
                                                                   ‫هو بالأحرى مسألة ضعف‬
   226   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236