Page 243 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 243
243 ثقافات وفنون
حـوار
كذلك ،هل فقدوا البصيرة؟ حاوره : روايتك الأخيرة« ،تاريخ
لا يفقد الأعمى البصيرة العيون المطفأة» .ما الظروف
بالضرورة .يكفي الأعمى أنه فقد صالح الدريدي (تونس) الذات َّية والموضوع َّية لكتابتها؟
البصر ،أما نحن ،من سنة إلى سنة بعد شهور من هذا الذي أسميه
من سنوات الزلزال ،فما عاد يكفينا الزلزلة في مدينة الر َّقة ،حيث أقامت
فقدان البصر .إ َّنه العماء العميم، داعش دولتها. (الزلزال) ،وتطايرت أسماؤه
بص ًرا وبصيرة ،لا يكاد ينجو منه الحسنى سنة :2011الثورة،
صدرت الرواية الأولى عام المخاض ،الانتفاضة ،الحراك،
أحد ولا بلد. ،2014والثانية عام .2016ومنذ الربيع العربي ..عصفت بي أسئل ٌة
إذن ،تلك هي الأسباب مريرة وحالات أكبر مرارة .فالبارقة
الموضوعية التي تندغم فيها تراجعت السلمية حتى تب َّددت التي لاحت في الشهور الأولى من
أسبابي الذاتية :قراءاتي للحرب، خلال شهور معدودة من سنة الزلزال ،بارقة الشباب والسلميَّة،
للموت ،للتو ُّحش ،للح ِّب ،للجنس، ،2011وعبر سنوات كتابة هاتين سرعان ما ذهبت َب َد ًدا ،وسرعان ما
للتجثيث ،للكثير الكثير الذي طالما الروايتين ،كنت كلما أمعنت فيما تكدست الجثث وتع َّفنت ،سرعان
قرأته فيما مضى من حياتي ومن يجري ،وفيما أعيش ،أخشى من أ َّن ما استفاقت الطائفية والمذهبية
كتابتي ،وإذا به يجبهني كأننا لم بصري يضعف ،وبصيرتي تضعف، والعصبية والجهوية والمناطقية
إذ ما عدت أرى حولي إلا الغلالات والإثنية ،سرعان ما استفاق
نلت ِق أب ًدا. تتكاثف ،ومع تكاثفها كانت قتامتها الوحش في الإنسان– هل نام يو ًما
بعبار ٍة أخرى ،ما دعاني إلى
كتابة هذه الرواية هو (العماء) تتضاعف وتزادد صلادة. ح ًّقا؟
الذي رأي ُته يضرب حيثما قلَّبت ببلاهة ،ومحتا ًرا ،وغير مص ِّدق، ما كان من الأنظمة لا يص َّدق،
النظر .وما دعاني إلى كتابتها أي ًضا أخذت أرصد كل كبير ٍة وصغيرة: على الرغم من كل ما كان منها
هو خوفي من أن يبلوني العمى، خلال عقود من القمع المجنون .وما
فيذهب بصري وبصيرتي .والآن الوجوه والأصوات ،السلوكيات
أنا على يقين من أنني كنت سأعمى والكتابات ..أعوذ بالله ،ما الذي كان من المعارضات
بص ًرا وبصير ًة لولا أنني كتبت يجري؟ هل فقد الناس البصر؟ لا يصدق ،وهذا هو
هل أصابهم العمى؟ حتى لو كانوا الأهم بالنسبة إل َّي،
(تاريخ العيون المطفأة). حيث لا فرق ذا شأن
بعي ًدا عن الدلالة النص َّية ،فإ َّن بين المعارضات
اقلمضجَّياةزا ّلي،عممىهم«لاةل فحقيياقل ّيِّر»والياة المتأسلِمة ،أو
العرب َّية .وإن حاول ْت «تاريخ
المتعلمنة .وما كان
العيون المطفأة» التط ُّرق إليها أي ًضا من الأصابع
من خلال شخص ّية «لطيف الإقليمية والدولية لا
الركني» ،فإ َّن ذلك كان مو َج ًزا يصدق.
باعتبار مجريات الأحداث. إزاء كل ذلك كتبت
ألا يح ِّفزك هذا ال َّنقص على
روايات (جداريات
التو ُّسع فيها مستقب ًل ،خا َّصة الشام :نمنوما) عن
مع جاهز َّية مصادرك؟ السنة الأولى ()2011
للزلزال ،وليس في
أثناء الإعداد لكتابة (تاريخ العيون سورية وحدها .ثم
المطفأة) ،وكعادتي دو ًما مع كل
كتبت رواية (ليل
العالم) عن سنوات