Page 245 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 245

‫القراءة في الفضاء العربي‪ ،‬فيما‬                                                        ‫بعيون العصافير لجعلها تغني‬
‫أرى‪ُ ،‬نخبوية‪ ،‬ومنها ما هو نخبوي‬                                                                           ‫أفضل؟»‪.‬‬
‫ج ًّدا‪ .‬واحدنا يرغط فر ًحا ويتيه ِك ْبًرا‬
‫إذا بلغت مبيعات روايته في خمس‬                                                          ‫ثمة ما يدفعني إلى القول إن‬
 ‫سنوات خمسة آلاف نسخة‪ .‬حتى‬                                                         ‫مصادر ومراجع رواية مثل (تاريخ‬

       ‫أكثر الروايات شعبية‬                                                             ‫العيون المطفأة)‪ ،‬ولكاتب رهن‬
                                                                                       ‫عمره للقراءة والكتابة‪ ،‬لا تنفد‪.‬‬
                                                                                      ‫ومن ح ِّق من ُيبتلى بهذا البلاء‪/‬‬
                                                                                   ‫النعمة أن يفتك به الدوار‪ .‬ألا يكفي‬
                                                                                     ‫أن تجد نفسك نهبًا لما كتب ولما‬
                                                                                       ‫عاش هوميروس أو أبو العلاء‬
                                                                                   ‫المعري أو بورخيس أو الشيخ إمام‬
                                                                                    ‫أو طه حسين أو (مريمي) العمياء‬

                                                                                               ‫التي سكنت طفولتي؟‬

       ‫لا تتعلَّق المسألة بهذه‬              ‫جماهيريتها‪ ،‬إذ لا جماهيرية لها‬             ‫يتطلَّب الجان ُب الموسوع ُّي‬
   ‫ال ِّرواية فحسب‪ ،‬إذ كثي ًرا ما‬                            ‫ولا لسواها‪.‬‬                ‫من رواية «تاريخ العيون‬
   ‫ُي ْنظ ُر لنبيل سليمان ككاتب‬                                                    ‫المطفأة»‪ ،‬قار ًئا م َّطل ًعا‪ .‬ألا ترى‬
‫ملتزم بالقضايا السياس َّية‪ .‬ألا‬            ‫هذا من جه ٍة‪ ،‬من جه ٍة أخرى‪،‬‬             ‫أ َّن هذا يقلِّص من جماهير َّيتها‬
  ‫يح ُّد هذا التنميط من الأبعاد‬           ‫يسعدني أن تدفع الرواية القارئ‬
‫الجمال َّية والإبداع َّية لتجربتك؟‬       ‫النخبوي –لأ َّنه ما من قارئ عادي–‬                ‫ويجعلها مقتصر ًة على‬
                                                                                     ‫النخبة؟ أم إ َّنه اختيار متع َّمد‬
      ‫إذا كان من ينظر لكتابتي‬                ‫إلى البحث‪ ،‬مثلما يسعدني أن‬
    ‫(مع َّق ًدا) من الالتزام على النمط‬    ‫أمتعه‪ ،‬بل وأسليه‪ .‬ولكن إذا كانت‬               ‫لدفع القارئ العاد ّي نحو‬
                                                                                                         ‫البحث؟‬
        ‫السوفييتي ونمط الواقعية‬             ‫المتعة والتسلية هما الغاية‪ ،‬فلا‬
                                          ‫روايتي هذه‪ ،‬ولا أ ّي من رواياتي‬           ‫القراءة في الفضاء العربي‪ ،‬فيما‬
  ‫الاشتراكية المرحومة‪ ،‬فلن يكفيه‬                                                   ‫أرى‪ُ ،‬نخبوية‪ ،‬ومنها ما هو نخبوي‬
                                                        ‫تحقق هذه الغاية‪.‬‬
      ‫أن يحصر الالتزام بالقضايا‬                                                        ‫ج ًّدا‪ .‬واحدنا يرغط فر ًحا ويتيه‬
                                          ‫ألا يزعجك أن ثمة من ينسبها‬                 ‫ِك ْب ًرا إذا بلغت مبيعات روايته في‬
     ‫السياسية‪ ،‬بل سيرمي الكتابة‬                   ‫إلى الأدب السياس ِّي؟‬            ‫خمس سنوات خمسة آلاف نسخة‪.‬‬
                                                                                      ‫حتى أكثر الروايات شعبية‪ ،‬س ِّم‬
     ‫المعنية وكاتبها خارج الحرم‬          ‫‪ -‬مر ًة أخرى‪ :‬تيبَّس الجلد‪ ،‬ومنذ‬
‫المق َّدس الذي يقيمه للأدب‪ .‬ولاح ْظ‬          ‫عقود ما عاد مثل هذا الوصف‬                 ‫من تشاء‪ :‬أحمد خالد توفيق أو‬
‫هنا‪ ،‬أنني قلت (مع َّقد من الالتزام‪)..‬‬                                              ‫أحلام مستغانمي أو‪ ..‬ولتكن رواية‬
                                         ‫يه ُّمني‪ .‬فأن تصنِّف الأدب سياسيًّا‬         ‫في الخيال العلمي أو الجاسوسية‬
  ‫ولم أقل متجاو ًزا لهذا الالتزام أو‬      ‫أو اجتماعيًّا أو دينيًّا‪ ،‬فهذا لا ُيعلي‬
‫ناق ًدا له‪ .‬فلمثل هذا الذي يتجاوز أو‬      ‫من شأ ٍن ولا ُيخ ِفض شأ ًنا‪ .‬المه ُّم‬        ‫أو الجنس أو‪ ..‬فهل ستبيع مئة‬
‫ينقد قول آخر بصدد الروايات التي‬                                                      ‫ألف نسخة في السنة في أسواق‬
                                             ‫والأهم هو أن يكون هذا الأدب‬
 ‫ُتعنى بما هو سياسي أو اجتماعي‬               ‫جمي ًل وجدي ًدا ومفي ًدا وممت ًعا‪.‬‬               ‫أربعماية مليون عربي؟‬
  ‫أو ديني أو روحي أو‪ ..‬والتنميط‬            ‫المهم أ ّل يكون اجترا ًرا أو قبي ًحا‪.‬‬     ‫هو أمر محزن‪ ،‬ومحبِط‪ ،‬لكنني‬
     ‫(المع َّقد) لا يدرك ح ًّقا الأبعاد‬                                              ‫واحد ممن تيبَّست جلودهم‪ ،‬ممن‬

                                                                                         ‫( َت ْم َسحوا) وتعودوا‪ .‬لذلك لا‬
                                                                                       ‫أرى أن الجانب الموسوعي في‬
                                                                                   ‫(تاريخ العيون المطفأة) يقلِّص من‬
   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249   250