Page 240 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 240

‫العـدد ‪١٩‬‬                             ‫‪240‬‬

                                 ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                          ‫أي ًضا الإقفار‪ ،‬ليس بمعنى‬
                                                                  ‫الوحدة أو العزلة إنما الإقفار‬
 ‫تاريخ نادر واستثنائي؛ حيث‬            ‫من أي شخص لا ينتمي‬
   ‫تتزامن أفلامه ودلالاتها مع‬        ‫إلى هويته أو حزبه‪ ،‬وهذا‬         ‫هو المصطلح الذي أطلقته‬
 ‫الواقع الاجتماعي والسياسي‬         ‫يدل على تجرده من السلطة‬        ‫أرندت للتعبير عن فقدان الأنا‬
‫الذي عايشه جيله‪ ،‬أي أنه بعيد‬      ‫الحقيقية لأن السلطة بمعناها‬      ‫والتواصل مع الذات أو عمل‬
‫عن قانون الصدفة منذ تغريبته‬        ‫الحقيقي توجد أينما وجدت‬      ‫حوار مع الذات‪ ،‬وهو من أدوات‬
 ‫من الزقازيق وما رآه وسمعه‬         ‫المسؤولية عن اتجاه مسار‬      ‫الإدراك والفهم الذي تفتقر إليه‬
                                  ‫العالم بأي شكل‪ .‬لذلك تطلق‬      ‫الجماهير المنس ِحقة تحت تلك‬
     ‫في مراهقته عن الأحداث‬           ‫حنا على مثل هذه الأفعال‬       ‫الأنظمة‪ .‬مرة أخرى اختصر‬
    ‫السياسية فى مصر آنذاك‬           ‫من قتل أو تعذيب ما شابه‬      ‫فؤاد الشرنوبي فلسفة أرندت‬
  ‫هناك‪ ،‬ثم مجيئه إلى القاهرة‬      ‫اسم تفاهة الشر‪ ،‬لأن فاعلها‬      ‫في مصطلح «عصا موسى»‪.‬‬
 ‫مرو ًرا بهزيمة ‪ 67‬وانعكاسها‬      ‫يكون مجرد ترس في ماكينة‬         ‫هناك نقطة أخرى يتشابه‬
    ‫على نفسيته‪ ،‬وتخرجه في‬
   ‫معهد الفنون المسرحية في‬             ‫بيروقراطية‪ .‬وهذا ليس‬         ‫فيها أحمد سبع الليل مع‬
‫السادس من أكتوبر‪ ،‬ومعاينته‬        ‫تسويغ أو تخفيف الاتهامات‬        ‫منتصر‪ ،‬نقطة وصفتها حنا‬
   ‫للواقع بكل عناصره معاينة‬                                      ‫أرندت بـ«تفاهة الشر»‪ ،‬نرى‬
‫مباشرة بكل ما فيها من تخ ُّبط‬          ‫الموجهة لعساكر الأمن‬       ‫هذا المصطلح يتجلَّى عندما‬
     ‫وتشوش وهزيمة ونصر‬            ‫المركزي أو سبع اليل نفسه‬
  ‫وتأثيرات تلك التح ُّولات على‬     ‫أو إيخمان الذي زج وحشد‬           ‫يطارد «أحمد سبع الليل»‬
     ‫جيله وطبقته الاجتماعية؛‬     ‫اليهود في معسكرات الإبادة‪،‬‬          ‫المعتقل «رشاد عويس»‬
 ‫استقرت في وعيه وأدركنا أن‬                                          ‫الكاتب اليساري ثم يقتله‪،‬‬
‫كل اختياراته كانت ذات طبيعة‬         ‫إنما إدانة بشكل وبصورة‬           ‫ثم يتفاخر بذلك رغم كل‬
                                      ‫أشمل وأعم من اختزالها‬       ‫سذاجته‪ ،‬كيف ولماذا حدث‬
                    ‫شرطية‪.‬‬          ‫في حادثة‪ ،‬إنما في كينونة‬      ‫هذا؟ تجيب حنا أرندت على‬
  ‫أحمد سبع الليل ومنتصر‬           ‫إنسان لا معنى له‪ .‬ومنتصر‬          ‫هذا السؤال بعدة إجابات‬
   ‫ويحيى أبو دبورة‪ ،‬من كتب‬       ‫الذي يرفض النصب على أهل‬          ‫متشابهة في أكثر من كتاب‬
                                 ‫مدينته ويبرر أنه عندما فعلها‬      ‫لها في أسس التوتاليتارية‬
                ‫لهم درويش‪:‬‬        ‫لم يكن يعرف وأنه لما عرف‬         ‫وكتاب إيخمان في القدس‬
      ‫ولد ُت إلى جانب البئر‬      ‫كانت «السكينة سارقاه»‪ ،‬وأنه‬          ‫نجدها تقول إن السلطة‬
‫والشجرات الثلاث الوحيدات‬            ‫لا يهم ما فات طالما أنه لم‬  ‫التوتاليتارية قادرة على جعل‬
                                   ‫يكن يعرف مصدر أموالهم‪،‬‬        ‫مرتكبي الجرائم لا يشعرون‬
                  ‫كالراهبات‬         ‫إلا أنه يعرف أن أهل قريته‬       ‫بفظاعتها وإنما بأنها أمر‬
   ‫ولد ُت بلا ز َّفة وبلا قابلة‬   ‫باعوا أراضيهم وتداينوا لكي‬      ‫عادي حتى أن الفرد لا يعي‬
  ‫وسميت باسمي مصادف ًة‬             ‫يدفعوا حق التذكرة أم ًل في‬       ‫مسؤوليته تجاه أي شيء‬
                                   ‫الوصول للقمة عيش وحياة‬       ‫إنساني إنما هو ينفذ الأوامر‪.‬‬
         ‫وانتمي ُت إلى عائلة‬                                        ‫أي أنه ليس ش ًّرا متجذ ًرا‬
                 ‫مصادف ًة‬                  ‫أفضل في الخارج‪.‬‬        ‫فيه إنما يطبق أوامر إدارية‬
                                         ‫الأفلام بقدر ما هي‬     ‫ر َسخت فيه‪ ،‬أي أصبح ين ِّفذها‬
 ‫وورثت ملامحها والصفات‬              ‫تمثِّل السجل المرئي للفنان‬      ‫دون الحاجة لتذكيره بها‪.‬‬
               ‫وأمراضها‪:‬‬           ‫وللمجتمع؛ فإنها ‪-‬من زاوية‬        ‫بجانب اللامسؤولية التي‬
                    ‫‪... ...‬‬       ‫أخرى‪ -‬تعكس الحالة الجدلية‬        ‫يتمتع بها التي تجعله يحد‬
                                    ‫بين خلفيته الثقافية وواقعه‬
     ‫ليس لي دور بما كن ُت‬           ‫وكيف يعبِّر عن ذلك‪ .‬تاريخ‬
    ‫كانت مصادف ًة أن أكون‬        ‫أحمد زكي في اختيارات أفلامه‬

                    ‫ذك ًرا‬
                       ‫‪...‬‬

     ‫كان يمكن أن لا أكون‪.‬‬
   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245