Page 244 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 244

‫العـدد ‪١٩‬‬                           ‫‪244‬‬

                                      ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

     ‫الشرق) عدت إلى مئات –أقول‬            ‫«لاشلستينا»‪ ،‬بابلو بيكاسو ‪١٩٣١‬‬  ‫رواية‪ ،‬أعدت قراءة روايات كنت قد‬
    ‫مئات‪ -‬المراج ِع والمصاد ِر من‬                                           ‫قرأتها‪ ،‬وللعمى فيها حضور‪ ،‬من‬
   ‫كتب ومجلات وجرائد‪ ،‬اشتغل ْت‬          ‫لكنني آمل أن ينهض بهذا العبء‬        ‫(أيام) طه حسين إلى (الموسيقي‬
                                                     ‫آخرون وأخريات‪.‬‬          ‫الأعمى) لكورلينكو‪ ،‬وصو ًل إلى‬
      ‫على النص ِف الأول من القرن‬                                                    ‫ساراماجو في (العمى)‪،‬‬
   ‫العشرين في سورية‪،‬‬                       ‫«تاريخ العيون المطفأة»‬                  ‫إلى معجم سليمان فياض‬
                                             ‫عارفة‪ ،‬تستحضر ثقافة‬                     ‫(البصر والمبصرات)‪..‬‬
     ‫حتى بات عندي ما‬                        ‫موسوع َّية‪ .‬كيف ته َّيأ لك‬             ‫وتابعت القراءة في أعمال‬
  ‫س َّميته (مكتبة مدارات‬                   ‫تجميع ك ِّل هذه المصادر؟‬                   ‫لم أكن قد عرفتها من‬
 ‫الشرق)‪ .‬وبعدها حينما‬                    ‫كما أشرت‪ ،‬هذه هي طريقتي‬                                     ‫قبل‪.‬‬
                                      ‫في كتابة الرواية‪ ،‬تبدأ بالبحث‪ .‬لقد‬             ‫كانت ك ُّل قراءة تفتح‬
     ‫كتبت رواية (مجاز‬                   ‫صدحت عاليًا ومرا ًرا بما حفظت‬                    ‫الباب لسواها‪ .‬فإذا‬
   ‫العشق) بحث ُت مط َّو ًل‬                  ‫عن ناتالي ساروت‪( :‬الرواية‬                ‫كان الأعمى في الشعر‬
  ‫في الصراع على المياه‬                   ‫بحث)‪ ،‬إذ لا تكفي فيها المكابدة‬               ‫أو الرواية هو الأعمى‬
‫في الشرق الأوسط حيث‬                   ‫الروحية أو المعاناة الوجدانية‪ ،‬رغم‬             ‫العادي‪ ،‬شي ًخا أو أديبًا‬
‫إسرائيل وتركيا والفرات‬                   ‫أهميتهما القصوى التي تضارع‬                   ‫أو عاهرة‪ ،‬فقد أنعمت‬
  ‫ودجلة‪ ..‬انظر الآن إلى‬                ‫الأهمية القصوى للبحث والإعداد‪.‬‬               ‫عل َّي القراءة بأن جعلتني‬
   ‫سد النهضة الأثيوبي‬                     ‫عندما كتبت رباعية (مدارات‬                ‫أتخيَّل‪ /‬أك ِّون شخصيات‬
‫وإلى الاشتباك المصري‬                                                                    ‫جديدة من العميان‪:‬‬
‫السوداني الأثيوبي‪ .‬اد ُع‬                                                            ‫المحامي الأعمى‪ ،‬الفنان‬
                                                                                    ‫الأعمى سواء أكان فنا ًنا‬
       ‫معي‪ :‬ربنا يستر‪.‬‬                                                                 ‫تشكيليًّا أم موسيقيًّا‪.‬‬
   ‫من الإعداد لرواية‬                                                                   ‫هكذا ولد ْت شخصية‬
‫(تاريخ العيون المطفأة)‬                                                       ‫لطيف الركني محاميًا وتشكيليًّا‪.‬‬
    ‫كانت أي ًضا مشاهدة‬
                                                                          ‫هكذا ولدت شخصية شيماء كعازفة‬
        ‫عشرات الأفلام‬                                                      ‫كمان ومعها الشخصيات النسائية‬
‫السينمائية والمسلسلات‬                                                         ‫الموسيقيات‪ ،‬ومنهن الصحافية‬
                                                                                       ‫والأستاذة الجامعية‪.‬‬
     ‫العربية والأجنبية‪ .‬كما قرأت‬                                             ‫ولكن لم يكن الأعمى الحقيقي‬
   ‫عد ًدا من الكتب الطبية بمشورة‬                                                ‫وحده شاغل الرواية‪ ،‬فالعماء‬
                                                                                ‫المجازي هو الشاغل الباطن‬
      ‫ومساعدة عدد من الأصدقاء‬                                                ‫والظاهر‪ ،‬حتى إن الت َبس بالعمى‬
  ‫الأطباء‪ .‬وكان عل َّي أن أعود مر ًة‬                                      ‫الحقيقي‪ ،‬كما حدث مث ًل لشخصية‬
‫بعد مرة إلى لوحات بيكاسو خلال‬                                                   ‫معاوية في نهاية الرواية‪ ،‬أو‬
   ‫المرحلة الزرقاء‪ :‬عازف القيثار‪،‬‬                                          ‫لشخصية فخر النساء في البداية‪،‬‬
    ‫العجوز الأعمى‪ ،‬طعام الأعمى‪،‬‬                                                     ‫وكذلك لشخصية أماني‪.‬‬
‫لاشلستينا بعينها البصيرة وعينها‬                                                ‫بالتالي‪ ،‬لم يكن ه ِّمي‪ ،‬ولم‬
                                                                               ‫يصر‪ ،‬في ترميم ثغرة أو س ِّد‬
    ‫البيضاء العمياء‪ .‬ولم تفارقني‬                                            ‫نق ٍص في السلَّة الروائية العربية‪.‬‬
  ‫أثناء كتابة الرواية قولته‪« :‬يجب‬
   ‫أن يقتلعوا عيون الرسامين كما‬
  ‫يفعلون بعيون العصافير لجعلها‬
 ‫تغنِّي أفضل»‪ .‬أليست قولة ملغزة‬
   ‫ومرعبة ومفجرة؟‪ ..‬ماذا لو قال‬
   ‫أحدهم‪« :‬يجب أن يقتلعوا عيون‬

     ‫الكتَّاب والكاتبات كما يفعلون‬
   239   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249