Page 107 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 107

‫نون النسوة ‪1 0 5‬‬                                      ‫وذلك لإنضاج المو ُضوعة الرئيسة ألا وهي الوجع‬
                                                         ‫والخوف من الآتي‪ ،‬إذ جعلت الصحراء والبحر‬
     ‫من خلال استعارة الجسد البشري ومساعدته‬              ‫هما من يتكلم عن ذلك الخوف‪ ،‬وهي من يصرخ‬
    ‫على البوح بما لايجرؤ الإنسان على التعبير عنه‪،‬‬         ‫ويندد‪ .‬فالأنسنة في معناها هي إلباس الشيء‬
‫تصري ًحا أو تلمي ًحا‪ ،‬بفعل الرقيب الذي يصادر حق‬
  ‫التعبير والجهر بما هو مس ُكوت عنه داخل النسق‬        ‫الجامد خصوصيات الذات الإنسانية من أحاسيس‬
‫الثقافي والاجتماعي والسياسي الواقعي‪ .‬فالصحراء‬            ‫ومشاعر داخلية‪ .‬إذ نجد هنا تصوي ًرا سيميائيًّا‬
   ‫والبحر بجمالهما وفتنتهما‪ ،‬يبقيان مصدر خوف‬
    ‫وعدم أمن‪ ،‬ومقتفي أثرهما لا بد أن يستعد بما‬        ‫يكشف عن خصوصية الحياة بمعناها الدلالي عبر‬
  ‫أوتي من زاد وماء‪ ،‬وهما هنا مصدر تخوف بطلة‬             ‫أنساق متعددة داخل الخطاب الروائي النسائي‪،‬‬
   ‫النص‪ ،‬فالمكان رغم جماله يبقى ‪-‬أي ًضا‪ -‬مصدر‬               ‫حيث يمتلك المكان البعد النفسي والجسدي‪،‬‬

                 ‫عدم اطمئنان للعيش والاستقرار‪.‬‬
  ‫إن نسق الأنسنة يجاور الأنساق الدلالية الأخرى‬

      ‫التي تعرضنا لها سابقا فـ»فهم نسق ظاهرة‬
    ‫ما‪ ،‬بكونه ذا حركة ذاتية‪ ،‬معناه‪ ،‬أنه ممتلك من‬
  ‫المقومات الداخلية ما يجعله قائ ًما بنفسه‪ ،‬متحر ًكا‬
   ‫من تلقاء نفسه‪ ،‬للتعالق والتفاعل مع ما يجاوره‬
   ‫من الأنساق الأخرى»(‪ .)6‬إن أنسنة الجماد داخل‬
 ‫الخطاب الروائي النسائي‪ ،‬جاء في إطار منح النص‬
‫الروائي أدبيته‪ ،‬لأنها من التقنيات الفنية التي تحقق‬
   ‫الوظيفة التواصلية والتأثيرية في القارئ المتلقي‪.‬‬

      ‫وهذا التأثير يحصل جراء تغيير طباع الناس‬
‫ونفسيتهم من الوضع الذي يعيشونه‪ ،‬فتغيير المكان‬

     ‫وتحوله من مكان مفتوح وآمن إلى مكان مغلق‬
 ‫ينتشر الموت في كل أطرافه وزواياه‪ ،‬أدى إلى زوال‬

    ‫ال ُألفة والانسجام الذي كان بينه وبين الإنسان‬
  ‫الصحراوي‪ ،‬وهو ما عبرت عنه الكاتبة من خلال‬
    ‫صراخ الساحلية «جوكات» لأنها أصبحت مكا ًنا‬
   ‫مغتا ًل جري ًحا يؤلم كل من ائتمنه ودخل غياهبه‬
    ‫الرحبة الشاسعة‪ ،‬يندد ويصرخ بكل ألم محيطه‬
  ‫من إنسان وحيوان‪ ،‬من شجر وحجر‪ .‬لذلك هناك‬
   ‫«من الأماكن ما يمكن إدراجه ضمن المنغلق رغم‬
‫انفتاحه من الوجهة الجغرافية‪ ،‬طالما أنه لم يشهد إلا‬
  ‫الذكريات المؤلمة‪ ،‬ولم تعرف فيه الشخوص سوى‬
    ‫الإكراهات‪ ،‬والعذابات‪ ،‬وشتى صنوف الحرمان‬
    ‫والتهميش»(‪ ،)7‬لذلك نجد أن هذا المكان «بأبعاده‬

    ‫البنائية‪ ،‬وحمولته الدلالية يكثف مسافة التلقي‪،‬‬
  ‫ويؤثر في متلقيه‪ ،‬لأن الإحساس بالخطر القائم في‬
 ‫المكان يجسد الإحساس بالمكان»(‪ ،)8‬إن الحالة التي‬
  ‫أصبحت عليها مدينة جوكات‪ ،‬إذ تحولت إلى مكان‬
  ‫مميت أدى إلى مجموعة من التحولات السيئة التي‬
   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112