Page 110 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 110
العـدد 37 108
يناير ٢٠٢2
في الحياة ،فلا ضير في رب يذهب وآخر يأتي طالما صليبًا ضخ ًما ونصبوه عاليًا -يعلنون إيمانهم-
بقوا على وجه الرض ساكنين ،ولم يلق بهم في يم ليسوا من قوم موسى ولا من الوثنيين -تمتلئ
أو في حريق بنصل سيف أو سكين على حد قول
المعابد بالأيقونات والتماثيل الجديدة -تنطلق
السارد في النص« .يجعل الروائي من المكان في الحناجر بتراتيل الدين الجديد -نسوا كيف أنهم
بعض النصوص قضية محورية من خلال قضية
الإنسان المرتبط بها ،مثل أشكال مقاومة الإنسان آمنوا عن خوف للمرة الثانية -مرة تلو المرة
ضد العنف أو الاحتلال أو الاستعمار وغيرها ،كما يلفظون الدين الجديد -يؤمنون فرا ًرا من القتل
نجد حضو ًرا قو ًّيا لعلاقة المدينة والقرية في السرد، بالسيف ،وهر ًبا من دفع الجزية -نسيت جوكات
مما يوثق لعلاقة المبدع بالمكان ،وهنا نستطرد طعم الملح ،واستساغت حلاوة الدين الجديد.
قلي ًل لنعرج على شكل السيرة وبعض صور تقريب نسق النواح والبكاء :جوكات منحتك امرأة
المقوقس غر ًقا -جوكات ستبقين محاصرة أبد
المتلقي من مشاكل أغلب الروائيين والروائيات الدهر بمائك المالح ،وينز عرق أولادك ملح الهزيمة
بخاصة بوطنهم عامة ومدينتهم خصو ًصا ،في على الدوام -جوكات سيكون بعض رجالك ،أبوا ًقا
حين يكون الحديث عن المدينة باعتبارها فضا ًء
عا ًّما»( ،)12قد يصبح المكان فلتة من حياة الكاتبة، وأفوا ًها ،بري ًقا لا جوه ًرا.
يزيدها قوة البحث عن مضمونها أكثر من وجودها؛ نسق اللعنة :لعنة الماء تحاصرك -أحكموا
بمعنى البحث عن مكان أفضل للحياة بعي ًدا عن حصارهم عليك -هزمك العرب بالعطش -جوكات
سلطة الواقع الحياتي المعيش .كما أنها ترتاد الفيافي الذمم فيك لا يرتقها راتق ،وأحمال النذالة فيك ينوء
والبقاع الموحشة لتكريس فعل البحث عن الفضيلة
المكانية الأفلاطونية في صحراء قاحلة .أو الترميز بها كل عاتق.
من خلال الأنساق الدلالية حاولت الكاتبة أن تنقل
للمكان في ظل الخوف من المجهول.
كما يؤدي المكان إلى تفويت فرصة الحياة عامة، لنا وقائع زمن الغزو الروماني لمصر ،وجرائم
فتنهل الروائية من قاموس البعد والاغتراب المكاني الإبادة التي ارتكبوها باسم «الرب» والمسيحية،
الحقيقي في معجمها ،وتحكي عن سلطة الإبعاد عن بحق الوثنيين واليهود في الإسكندرية ،وكيف عذبو
الوطن الأم .وتناقش الكاتبة برواية «جوكات» ،في ونكلوا وأحرقوا أهل العلم والفكر نموذج الفيلسوفة
إطار يتراوح بين التاريخي والفانتازي والواقعي،
موضوعات وقضايا كبرى ،أبرزها :تأثير الخوف «هيباتنا» ،وأحرقوا الكتب والمكتبات ،وخربوا
على الشعوب ،والتجارة بالأديان على مر العصور، المعابد .فأثاروا الخوف والرعب في النفوس .مما
وقتل الأبرياء أو استعبادهم باسم الإله تارة أدى بأهل جوكات والدار الحمراء إلى الارتداد
أو الحاكم تارة أخرى ،والظلم والفقر والفساد، عن دينهم للمرة الثانية خو ًفا من الحرق ،فأخفوا
عقيدتهم اليهودية ،وأظهروا ملتهم المسيحية بتعليق
والطبقية ،والحب ،والحرب(.)13 الصليب ووضع التماثيل للسيدة العذراء خو ًفا من
شكلت طريقة تعامل إنتصار عبد المنعم مع التاريخ سيف ثيوفليس وبطش جنوده .فقد عاش سكان
في رواية الدار الحمراء ،نقلة نوعية كبيرة في الدار الحمراء وجوكات عبي ًدا يعملون بالسخرة
تعامل الروائي مع المادة التاريخية ،وتوظيفيًّا بما لصيد الأسماك وجني الكروم ،ولا يجدون ما يسد
يخدم رؤيتها الفنية ،فقد اعتمد على الخيال الفني
والإبداعي ،فاستخدمت التاريخ كإطار عام وكمادة رمقهم ،بينما تذهب الخيرات إلى قصر الحاكم.
خام في تصوير معاناة الشعب ،حيث ركزت على فمصير جوكات الغرق بمياه البحر عقوبة من امرأة
شخصيات وأعلام مستمدة من التراث الديني المقوقس لأهلها ،فتحولت أرضها إلى بور مالحة
والثقافي والسياسي لا تصلح للزراعة ولا للحياة ،فقد غرقت كنوز
الجدات والأجداد في البحيرة التي غمرت الدار
الحمراء .كما واجه أهلها الحصار والحرمان حينما
وصل الجيش العربي إلى مصر .أهل جوكات للمرة
الثالثة يستبدلون دينهم خو ًفا من الموت ،وطم ًعا