Page 113 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 113

‫نون النسوة ‪1 1 1‬‬                                         ‫فشيئًا فشيئًا يندمجان م ًعا‪ ،‬حتى تسقط الحدود‬
                                                      ‫بينهما‪ ،‬وشلومو دفن الكنز المسروق في جرار تحت‬
  ‫السرداب‪ ،‬ينقلون الرمال‪ ،‬السياط تلهب ظهورهم‪،‬‬          ‫الأرض وكذلك يفعل سكان جوكات بما يتوفر لهم‬
  ‫لا مجال لتجفيف العرق ولا لالتقاط الأنفاس‪ ،‬من‬
‫يهوي صري ًعا‪ ،‬أو يغلبه المرض‪ ،‬تحتويه حفرة فو ًرا‪،‬‬                                           ‫من أموال‪.‬‬
‫متدث ًرا بالتراب المتخلف عن السرداب‪ .‬عشر سنوات‬         ‫يحتفظان م ًعا بمنافقة الحاكم الرئيسي؛ سواء كان‬
   ‫عجاف‪ ،‬طبعت صفاتها على أهل جوكات‪ ،‬وخلقت‬              ‫في منف أو في الإسكندرية أو في الفسطاط‪ ،‬ويخفي‬
‫فيهم صفات جديدة‪ ،‬يتحايلون بها على حالة الخوف‬           ‫أحفاد هالاكاه دينهم تحت قناع الدين السائد‪ ،‬فيما‬

      ‫المستمر من التعرض في أية لحظة لوشاية إن‬                  ‫لا يكترث أهل جوكات بهذه المسألة كثي ًرا‪.‬‬
 ‫تذمروا‪ ،‬أو ظهر الضيق على قسماتهم من السخرة‬            ‫تقوم بينهما علاقة المثاقفة‪ ،‬فقد قلد الصيادون أهل‬
 ‫تحت لهيب الشمس‪ ،‬فتقودهم إلى الدفن الفوري في‬
  ‫التراب‪ .‬مع مرور الأيام‪ ،‬برعوا في إخفاء مكنونات‬        ‫الدار الحمراء في بعض الأفعال مثل تقديم النذور‬
 ‫أنفسهم‪ ،‬تحول إلى حالة من الخبث والدهاء‪ ،‬وحفر‬            ‫لرب اليهود‪ ،‬وقلد اليهود الصيادين في استعمال‬
                                                          ‫الشباك للصيد‪ ،‬لكن لصيد الطيور‪ ،‬وسرعان ما‬
   ‫فيهم حر ًصا وتم ُّس ًكا بالحياة‪ ،‬ورغبة متزايدة في‬
    ‫كنز الذهب والفضة‪ ،‬والاطمئنان إلى مرآها دون‬                              ‫قلدهم الجوكاتيون في ذلك‪..‬‬
   ‫التجرؤ على التمتع بها خشية الفقر‪ ،‬تلك الخشية‬
   ‫التي توارثوها منذ أن ألقاهم البحر على ساحله»‪.‬‬         ‫حين احتل الرومان الإسكندرية صارت جوكات‬
     ‫تتحول جوكات شيئًا فشيئًا إلى مزرعة الكروم‬            ‫والدار الحمراء تابعين لها‪ ،‬وببناء قصر الحاكم‬
                                                       ‫والسور والسرداب أصبحت القريتين قرية واحدة‪،‬‬
       ‫الملكي‪ ،‬ويسام أهلها ذ ًّل وصغا ًرا من الحاكم‬      ‫ولم يتوقف التداخل على هذا‪ ،‬بل تداخلت البيوت‬
       ‫الروماني‪ ،‬ثم من زوجة المقوقس‪ ،‬وتتعرض‬            ‫والبساتين والأسوار‪ ،‬ومن قبلها تداخلت الأنساب‪،‬‬
    ‫للإغراق حين يتأخر كرومها عن معاصر النبيذ‬          ‫فقد أسرت الفاتنات اليهوديات الفتيان من جوكات‪،‬‬
  ‫بتدبير من أحفاد شلومو‪ ،‬تغضب زوجة المقوقس‬              ‫ولما كانت اليهودية تعرف أنه‪« :‬دع البقرة تمضي‬
     ‫وتطلب منه إغراق الرجال‪ ،‬وهكذا تجاور جثث‬              ‫حيث تشاء فالعجل لنا»‪ ،‬فلم تكن هناك مشكلة‪،‬‬
  ‫الرجال جرار الذهب المسروق والمكنوز‪« :‬أصدرت‬              ‫ومن هنا‪« :‬ولن يكون ابن جميل آخر عجل أب ًدا‪،‬‬
  ‫أوامرها باغراق جوكات بماء البحر‪ .‬جاءت حامية‬           ‫سينبت في جوكات نسل جديد من العجول يجمع‬
   ‫من الشرق وأخرى من الغرب‪ .‬وبالسياط ساقت‬             ‫خلايا جوكات الجنوبية وخلايا سكان الدار الحمراء‬
     ‫رجال جوكات مرة أخرى‪ .‬خرجوا من بيوتهم‪،‬‬                 ‫تبسط يدها على أرض جوكات جنو ًبا وشما ًل‪.‬‬
      ‫خاضعين‪ ،‬خانعين‪ ،‬لا ليبنوا سو ًرا كما فعلوا‬           ‫وتختلط السمات والأسماء مع اختلاط الجميع‬
  ‫ساب ًقا‪ ،‬بل ليفتحوا بأيديهم أبواب البحر الجموح‪،‬‬          ‫وامتزاجهم بماء البحر‪ ،‬وكما تجاورت الجرار‪،‬‬
 ‫الذي ما إن رأى الساحل مشر ًعا أمامه‪ ،‬كأنه ينتظر‬
  ‫قدومه معان ًقا منذ دهور‪ ،‬حتى تقدم نحو اليابسة‬             ‫تجاورت البيوت وسكنتها العجول الجديدة»‪.‬‬
   ‫بلا رادع‪ .‬كلما وجد الأرض خانعة أسفل طغيان‬            ‫أي لعنة تدفع جوكات ثمنها؟ هل هي لعنة الذهب‬
‫موجه‪ ،‬ثار أكثر هاز ًئا باس ًطا سلطانه على مساحات‬      ‫المسروق أو لعنة المال المكنوز دون إفادة أصحابها؟‬
 ‫شاسعة من الأرض‪ ،‬ومبتل ًعا من يتهاوى منهم من‬             ‫وهل ستتوقف اللعنة بهذا الحصار؟ أو هي لعنة‬
‫التعب‪ .‬ويختفي جزء كبير من منطقة الدار الحمراء‪.‬‬           ‫الصمت والتخاذل‪« :‬يضاجع رجال جوكات الذلة‬
   ‫وتغرق المنازل والمعابد الصغيرة التي تحولت إلى‬
      ‫كنائس‪ ،‬وتتكون بحيرة في مقابل البحر‪ ،‬ومن‬               ‫والمسكنة كل يوم وليلة‪ ،‬أكثر مما يضاجعون‬
‫أسفلها جرار العبرانيين‪ ،‬وخبيئات الصيادين‪ .‬حتى‬           ‫نساءهم‪ ،‬قرر الحاكم الروماني أن يحيط جوكات‬
  ‫إذا انحسر البحر بعد قرون‪ ،‬انكشفت أرض الدار‬           ‫بسور‪ ،‬وحفر سرداب عظيم يربط منطقة التلال في‬
‫الحمراء جدباء عاقر لا تصلح للزراعة‪ ،‬وقد تشبعت‬           ‫الشرق‪ ،‬بمنطقة المعصرة في الغرب‪ .‬عشر سنوات‬
   ‫بملح البحر وعرق الرجال الذين حفروا قبورهم‬            ‫متتالية‪ ،‬كان الليل موصو ًل بنهاراتها على الدوام‪.‬‬
                                                      ‫سيق الرجال والنساء والأطفال إلى العمل‪ ،‬يحفرون‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118