Page 116 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 116

‫العـدد ‪37‬‬         ‫‪114‬‬

                                                        ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬  ‫إنتصار عبد المنعم‬

‫لس ُت من الآلهة‪ ..‬أنا ُأحيي ولا ُأميت!‬

‫ثلاثية الُب َحيرة‪ :‬عالمي البديل‬

  ‫المدهشة‪ ،‬أمحو بها ما أشاء‪ ،‬وأُثبت ما أشاء‪ ،‬وأجعل‬      ‫ماذا يفعل المرء عندما يفيق من غربته ويكتشف أن‬
  ‫الجبل الشاهق في حجم حبة فستق حلبي إن أردت‪،‬‬
 ‫وفي الوقت الذي أشاء أي ًضا‪ .‬وإذا كان المخيخ هو من‬        ‫العالم يفرغ من الأحبة؟ ماذا يفعل الوحيدون وهم‬
   ‫يتحكم في حركة الذاكرة‪ ،‬فأنا (الكاتب) على الورق‬         ‫يرون أيامهم مثل دخان السجائر تتلاشى سري ًعا؟‬
                                                         ‫يختار البعض البكاء واستحضار الذكريات والعيش‬
      ‫أخذ ُت دور المخيخ والجهاز العصبي م ًعا‪ ،‬لعبت‬      ‫عليها‪ ،‬وأنا لا أحب البكاء‪ ،‬ولا من يستولدون الحزن‪،‬‬
‫بالذاكرة‪ ،‬راوغتها وهي المرا ِوغة‪ ،‬فكتب ُت ومحو ُت‪ ،‬وما‬
‫بين النسيان والتذكر‪ ،‬جاءت «كبرياء الموج» من منطقة‬           ‫يصبونه في أكواب لا تفرغ أب ًدا‪ .‬هكذا اخترت أن‬
                                                                                           ‫أكون‪ ..‬إل ًها!‬
   ‫حرة مراوغة كالأرجوحة‪ ،‬لا تتقيد بزمان أو مكان‬
    ‫معين‪ ،‬وغير معنية بتقديم تفسيرات أو تبريرات‪..‬‬        ‫أبعدتني أربع منازل‪ ،‬وقارتان‪ ،‬وبعض المدن عن بيت‬
                                                        ‫العائلة بحديقته الواسعة والنعناع السارح في رمالها‪.‬‬
                       ‫أليس هذا من أفعال الآلهة؟‬
                                                             ‫في سنوات الغربة‪ ،‬تكثر خيانات الرحيل‪ ،‬يرحل‬
             ‫كبرياء الموج‬                                 ‫«حسن» دون وداع‪ ،‬ويتبعه « ُعمر»‪ ،‬لا يترك لي إلا‬
                                                         ‫بصمات قدميه‪ ،‬وسوارين في لون ورد بشرته‪ ،‬كان‬
   ‫وهكذا بدأت كتابة الجزء الأول‬
‫من «ثلاثية ال ُبحيرة» بكتابة سيرة‬                                          ‫إحداهما يحيط بقدمه اللؤلؤية‪،‬‬
 ‫البشر‪ ،‬سيرة الإنسان‪ ،‬سيرة من‬                                               ‫والآخر حول معصمي‪ ،‬وتعبر‬
                                                                          ‫«زينب» هي الأخرى إلى الجانب‬
    ‫بعثتهم من مرقدهم‪ .‬في رواية‬                                               ‫الآخر‪ .‬فما جدوى الحياة من‬
 ‫(كبرياء الموج) خلق ُت لنفسي َعا َلًا‬                                      ‫بعدهم إذن؟ هكذا كان يتوجب‬
                                                                           ‫عليَّ أن أكون إل ًها‪ ،‬لأعيدهم من‬
     ‫فري ًدا‪ ،‬يضم من َأشتا ُق إليهم‬                                          ‫الغياب‪ ،‬وأمنح نفسي فرصة‬
   ‫ولا َأستطي ُع اللِّحا َق بهم‪ ،‬جئت‬
   ‫بهم جمي ًعا‪ ،‬ووضعت معهم من‬                                                   ‫أخيرة لأعيش الحياة كما‬
 ‫كنت أتمنى العيش معهم وبينهم‪،‬‬                                                ‫كان ينبغي لها أن تكون‪ ،‬مع‬
   ‫ولتكتمل الصحبة‪ ،‬استحضرت‬                                                  ‫من أريد‪ ،‬وأحذف منها من لا‬
                                                                           ‫أريد‪ ،‬وما لا أريد بحجة ضياع‬
      ‫البدوي والمرسي والشاذلي‪،‬‬                                              ‫الذاكرة‪ .‬الذاكرة! تلك المعجزة‬
  ‫وسيدي عبد الرازق‪ ،‬أستمد من‬
   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121