Page 120 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 120

‫العـدد ‪37‬‬         ‫‪118‬‬

                                                              ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

‫راكب عليها‪ ،‬والجزء الأصعب تمثل في داخل العبارة‪،‬‬               ‫تنتظر قدوم مارك أنطونيو‪ ،‬لتستقبله‪ ،‬وتطيب جرح‬
‫ووصف كل جزء فيها بدقة‪ ،‬وبالفعل منذ ‪ 15‬أكتوبر‬                  ‫هزيمته بنصر مجيد في أحضانها‪ .‬ويظل قلب الجميلة‬
‫‪ 2009‬إلى ‪ 30‬أغسطس‪ ،2014‬كنت أقوم بجمع‪/‬‬                         ‫فار ًغا إلا من وجه أنطونيو‪ ،‬تخدعها صحراء جوكات‬
‫عيش هذه الخبرات على أرض الواقع‪ ،‬ومن قدري‬                      ‫هي الأخرى‪ ،‬ترسل لها ثعبا ًنا‪ ،‬يخلد في حضنها‪،‬‬
‫المدهش فع ًل‪ ،‬أني بالفعل ركبت السلام ‪ 98‬قبل غرقها‪،‬‬            ‫يخيل إليها من دفئه أنه وجه انطونيو‪ ،‬يسقيها الثعبان‬
‫وشاهدت بنفسي ما كتبت عنه في «جوكات» ووصفته‬                    ‫رحيق أنيابه‪ ،‬دفقاته تسري في عروقها‪ ،‬تستقر في‬
‫وص ًفا دقي ًقا‪ ،‬وعالم البشر الذي كان على سطحها‬                ‫قلبها‪ ،‬ليتوقف ساج ًدا بين ذراعي أنطونيو المتجسد‬
‫ليس من عالم الخيال‪ ،‬ولكنه من نفس العالم الذي لا‬               ‫طي ًفا‪ ،‬لاعنًا صحراء جوكات الماكرة‪ .‬تسافر الجميلة‬
‫يأبه للمساكين‪ ..‬رحلة الغوص التي قام بها «يوسف»‬                ‫في السحاب‪ ،‬وهناك تعثر على أنطونيو مساف ًرا مثلها‪،‬‬
‫إلى باطن سالم إكسبريس لتحرير جسد إبراهيم‪ ،‬لها‬                 ‫وتدرك خديعة جوكات القاتلة التي تقتات على نبوءات‬
‫قصة‪ ،‬ولكنها لا تصلح للنشر‪ ،‬يكفي أن من قام‪ /‬يقوم‬               ‫القلوب‪ .‬تنظر الجميلة من عليائها إليك يا جوكات‪،‬‬
‫بها يعانق أرواح المقبورين غر ًقا في يقظته كل يوم‪..‬‬                              ‫وتصب عليك لعناتها‪:‬‬
                 ‫أليس هذا من أفعال الآلهة؟‬                    ‫جوكات! قدر الغريب على أرضك هذا التيه الأبدي‪.‬‬
‫«نخلة شافع» الرواية الثالثة والمتممة للثلاثية‪ ،‬البحر‬          ‫جوكات! لعنة أبدية تنثرينها في العروق‪ ،‬تنال‬
‫والبحيرة هما المحور الرئيسي‪ ،‬فالبشر (كبرياء‬                   ‫المختارين فقط‪ ،‬أما هؤلاء‪ ،‬قتلة الأحلام والقلوب‪ ،‬فأنت‬
‫الموج) والمكان (جوكات) لا حياة لهما إلا على الأبيض‬                              ‫ملاذهم‪.‬‬
  ‫الماء دو ًما‪،‬‬  ‫المتوسط‪ ،‬وبحيرة إدكو‪ ..‬الماء مرة أخرى‪،‬‬       ‫جوكات! تبقين هكذا‪ ،‬لا زرع ُيثمر وإن نبت‪ ،‬لا بطن‬
‫لأكتب قصة‬        ‫وكان عليَّ هذه المرة أن أقرأ وأتعلم مجد ًدا‬         ‫تشبع وإن نهمت‪ ،‬بحرك لا يمنح وإن هدر‪.‬‬
‫كل موجة‪ ،‬حكاية كل نوة‪ ،‬قصص الغرقى‪ ،‬ألوان‬                      ‫جوكات! مقبرة أنت لكل قلب خفق‪ ،‬على أرضك تنتهي‬
‫السحب في السماء‪ ،‬وارتباطها بأنواع الأسماك القادمة‬             ‫الأشياء كما بدأت‪ ،‬تردد الأفواه كلمات العشق‪ ،‬وفي‬
‫من جوف الموج‪ ،‬لغة الأصداف‪ ،‬صادقت الصيادين في‬                                    ‫الأيدي دو ًما نصال الكذب‪.»..‬‬
‫البحر والبحيرة‪ ،‬فكنت صيا ًدا وقت النوات‪ ،‬وعند صيد‬             ‫جئت بهم جمي ًعا إلى «جوكات» مجد ًدا‪ ،‬وأسمعت‬
‫الجرفة‪ ،‬وشاهدت غرقى فيضان المصرف الخيري‪،‬‬                      ‫الناس نفير الحرب‪ ،‬أدرت آلة الزمن‪ ،‬وظهر الصيادون‬
‫وأقمت مع الجد فرحان في جزيرة الرويعية وسط‬                     ‫والمزارعون وأصحاب الياقات الزرقاء‪ ،‬جنو ًدا في فيلم‬
‫الغاب في البحيرة‪ ،‬جمعت صدفات البحر‪ ،‬وح َّملت كل‬                ‫خشبية‪ ،‬نقشوا‬     ‫ب«هكاليوخب ًّاطاترفاي»‪،‬ذايكحرمةلوالمندينسةي اول ًفاجموعديرةوإ ًلعاى‬
    ‫واحدة منها حكاية‪ ..‬أليس هذا من أفعال الآلهة؟‬              ‫اليوم‪ ..‬أليس هذا‬
‫المر ُء إن أحب تاه‪ ،‬وأنا أحببت فوعيت وكتبت عمن‬                                  ‫من أفعال الآلهة؟‬
‫وعما أحب‪ ..‬جئت في زمن معلوم لأنسج من تلك‬                      ‫رحلة إبراهيم‪ ،‬رحلة الغرق‪ ،‬غرق سالم إكسبريس‬
‫النسالات تاري ًخا كام ًل‬                                                        ‫والسلام ‪ ،98‬كان لا بد لكتابتها‬
‫لجوكات المكان‪ ،‬الإنسان‪ ،‬البحر‬                                                   ‫من معرفة المكان‪ ،‬ما بين إدكو‪/‬‬
‫والبحيرة‪ ..‬أدرك أني لست أكثر‬                                                    ‫جوكات‪ ،‬الإسكندرية‪ ،‬ضبا‪،‬‬
‫من بعض زبد استراح برهة على‬                                                      ‫سفاجا‪ .‬لكن التحدي هنا‪ ،‬تمثل‬
‫وجه موجة ذات بحر‪ ،‬لا تلبث‬                                                       ‫في الفضاء المكاني الرئيسي‪،‬‬
‫أن تترك مكانها لتفسح مكا ًنا‬                                                    ‫وهو البحر الأحمر‪ ،‬والعبارتين‬
‫لغيرها‪ ..‬لكني لن أتلاشى مثل‬                                                     ‫الغارقتين‪ ..‬أو ًل كان لي من‬
‫زبد البحر‪ ،‬بل سأخلد كما خلدت‬                                                    ‫معرفة البحر الأحمر جي ًدا‪ ،‬فكل‬
‫اسم جوكات‪ ،‬المدينة المنسية‪،‬‬                                                     ‫خبرتي السابقة مرتبطة بالبحر‬
‫وبعثت فيها الحياة‪ ،‬وبها كتبت‬                                                    ‫الأبيض المتوسط وسلوكيات موجه‬
‫خلودي‪ ،‬خلود الكاتب‪ ..‬أحييت‬                                                      ‫ونواته وحركة الرياح من فوقه‪،‬‬
‫المكان والزمان لأعيش أنا أي ًضا‪..‬‬                                               ‫وكان لي من معرفة خط سير كل‬
‫فأنا‪ ..‬لست من الآلهة‬                                                            ‫عبارة‪ ،‬وقصة غرقها‪ ،‬وقصة كل‬
   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125