Page 117 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 117
نون النسوة 1 1 5
فيصل دراج زهور كرام جوزيف مانكوفيتش صحبتهم الونس .حتى إذا تسرب
الدفء إلى عالمي باكتمال الجمع
من حولي ،فكرت في الكتابة عن
سيرة المكان .جوكات /إدكو
مدينتي العصية على الترويض
أورثتني قدر الموج والرمال؛ موج
لا يرتضي السكون أب ًدا ،ورمال
توحدت مع الرياح في سفر دائم
نحو المعرفة تقاوم بها الاندثار..
قررت أن أكتب جغرافيا جديدة،
سيرة نابضة بالحياة ،ليست
السيرة المعروفة التي يدونها
كتبة التاريخ ،لكنها سيرة تتحدى
الزمن نفسه ،تجيء بالمطمور
والمحذوف ،وتعيد تشكيل
الموجود ،فكتبت «جوكات /حكايا
الدار الحمراء» ..أليس هذا من
أفعال الآلهة؟
وقت حصار العرب لجوكات ،وصرخات من فتت «جوكات /حكايا الدار الحمراء»
قواهم العطش من أهلها ،والغزاة يصيحون ،يطالبونهم
بفتح بوابات جوكات ،ومعها صدورهم للدين الجديد.. استأنست بالبشر ،ولم أكت ِف .أسمع أصوات تناديني،
ولأني لا أحب القوالب الجامدة ،ولا المقولات المقولبة، همهمات لا أدري من أين تأتي .عقلي يعمل في مكان
لم أتردد لحظة وأنا أعيد قراءة قصة الغزو /الفتح، آخر يعلو على هذا الحاضر ويتجاوزه .فكلما مشيت في
لأجرب خلخلة القواعد الراسخة عن الغزاة الفاتحين شارع من شوارع «جوكات» ،تختفي الصور المرئية،
الطيبين ،وأكملت الجزء الناقص من قصة جيش عمرو وأرى بش ًرا آخرين ،يحملون التاريخ على عواتقهم،
بن العاص على أبواب جوكات ..أليس هذا من أفعال حكايات وعادات وتقاليد جميعها مرتبطة بالبحر
والبحيرة ..مسقط رأسي «جوكات /إدكو» هبة البحر
الآلهة؟ والبحيرة ،قامت حياتها على بحر يطوقها شما ًل،
جوكات /إدكو ،مدينة ذات قدر غريب ،مر بها الغزاة ويفرض عليها سطوته ويحدد مسار حياة أهلها،
والولاة من مماليك وأتراك وإنجليز وفرنسيين ،ولم وبحيرة منحت المحافظة اسما ُتعرف به «محافظة
يقيموا فيها قص ًرا لهم أو مق ًّرا ،ولم يؤثروا في أهلها، البحيرة»« .بحيرة إدكو» يحج إليها رجال جوكات كل
ولا يوجد فيها من يفخر بأن له أصول دخيلة .مدينة صباح ،تمنح البلدة الملجأ عند غضبة البحر في نواته
الدائمة .قدري أني ولدت بين ماءين «بحر وبحيرة»،
الماء والرمال ،الماء فرض على الجميع حياة الصيد، وتحت شجرة رمان وبجوار شجرة زيتون عتيقة،
ومارس أهلها كل المهن ،الصيد بالنسبة لهم الحياة، لا شيء هناك إلا الماء والرمال ،وفي كل مكان جزء
من حكاية ،تضرب بجذورها عمي ًقا في تاريخ قديم.
مارسوا الزراعة ،لكنهم لم يفلحوا في أن يصبحوا هكذا كانت رحلة البعث الثانية ،بعث ُت المكان ،عصر ُت
فلاحين ،تشدهم الأرض إليها وتستعبدهم ،أرواحهم التاريخ ،واستخلصت منه تاريخ جوكات المقبور تحت
مائية ،يسيرون في كل الطرقات ،يجربون كل شيء، رمالها في الدار الحمراء وكوم الطواحين ،استرجعت
أصوات المصريين القدماء وهم يروضون البحر،
ولا يستعمرهم أي شيء ..يأتي إليها من يريد وأدرت مذياع التاريخ لأسمع العالم قعقعات السلاح
ويذهب عنها من يشاء ،ولا يتغير فيها إلا الصفة
التالية لاسمها؛ فرعونية ،بطلمية ،رومانية ،عربية..
عثر ُت على معلومة تاريخية عن هجرة اليهود منها في
أواخر القرن السابع عشر منتقلين إلى الإسكندرية.