Page 142 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 142

‫العـدد ‪37‬‬                              ‫‪140‬‬

                                 ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                       ‫العديد غيره من الآسيويين‪،‬‬
                                                                    ‫والعرب‪ ،‬والأمريكيين‪ ،‬قد‬
    ‫السعودية يصحبهم حلم‬           ‫الأرض‪ ،‬حتى أحسست أني‬
‫الثراء السريع‪« .‬أنت هنا مثل‬          ‫والأرض والفضاء شيء‬          ‫حل في أرض غنية بالبترول‪،‬‬
                                                                  ‫من أجل تحقيق حلم العائلة‬
  ‫كل الناس لجمع المال فقط»‬       ‫واحد‪ ،‬ساخن وفارغ‪( .‬ص‪)9‬‬
   ‫(ص‪ )54‬قال نبيل‪ ،‬عامل‬               ‫هذا الميلاد الجديد‪ ،‬حيث‬       ‫بالأمن المالي‪ .‬تناقض حاد‬
                                      ‫نجد بطل الرواية « ُيدفع‬         ‫بين الحلم والواقع‪ ،‬مع‬
 ‫البوفيه المصري‪ ،‬لإسماعيل‬                                            ‫ذلك‪ ،‬تم طرحه بوضوح‬
     ‫وهما يمشيان م ًعا ذات‬         ‫برفق» إلى العالم الخارجي‪،‬‬
    ‫صباح‪ .‬وبطريقة مماثلة‪،‬‬           ‫ليندمج في بيئته الجديدة‪،‬‬       ‫في افتتاحية الفصل الأول‪،‬‬
                                    ‫سرعان ما ُيجهض بتأثير‬        ‫حيث يخطو إسماعيل‪ ،‬ببراءة‬
‫ينصحه دكتور وجيه‪ ،‬زميله‬                 ‫مشاعر «الفراغ» التي‬
  ‫في السكن «هنا يا صديقي‬            ‫يفرضها عليه تأثير الهواء‬         ‫وتر ُّقب‪ ،‬إلى عالمه الجديد‪.‬‬
    ‫إسماعيل تقذف المطارات‬                                              ‫بدا ملحو ًظا‪ ،‬بالتدريج‪،‬‬
   ‫بالأحلام‪ ،‬والمُ َنى تتدحرج‬     ‫الساخن‪ .‬الصورة هنا تناظر‬                 ‫أن جغرافيا المكان؛‬
  ‫أمام أرجل القادمين‪ ،‬قريبة‬         ‫صورة قسوة أبريل الذي‬               ‫صحراء تبوك‪ ،‬تفرض‬
  ‫ج ًّدا من أيديهم لو انحنوا»‬       ‫« ُيخرج الليلك من الأرض‬
                                      ‫الموات» (سطر ‪)2()2 -1‬‬         ‫روحها المتسمة بالجفاف‪،‬‬
‫(ص‪ .)178‬يعترف إسماعيل‬                                                ‫والشسوع‪ ،‬والفراغ‪ ،‬على‬
       ‫بأن قراره بالسفر إلى‬       ‫حيث يصور [إليوت] الأرض‬           ‫موضوع الرواية‪ ،‬وتصوير‬
                                  ‫العقيم كمنتجة «ليس للحياة‬
‫السعودية كان بتحريض من‬                                                  ‫الشخصيات‪ ،‬وتطور‬
  ‫أمه‪ ،‬التي تحمست من أجل‬            ‫والاكتمال وإنما للغثيان‪..‬‬     ‫الأحداث‪ .‬يتم تسليط الضوء‬
‫رفع مستوى معيشة الأسرة‪.‬‬               ‫ولأسئلة لا إجابات لها»‬
‫في نهاية الأمر‪ ،‬كان هو عائل‬       ‫(‪ .)91: 1962 Leavis‬تحدد‬              ‫على فكرة غربة الفرد؛‬
‫الأسرة منذ وفاة أبيه‪ ،‬و»من‬        ‫هذه الصورة‪ ،‬بالتالي‪ ،‬إيقاع‬          ‫إذ ُيقحم الراوي القارئ‬
‫يرفض الآن‪ ..‬فرصة كهذه؟»‬               ‫سائر القصيدة‪ ،‬بمثل ما‬         ‫على الفور في عالم «مدينة‬
‫ويفكر في كلامها‪« .‬إنه شيء‬        ‫تحدد الصورة السابقة إيقاع‬           ‫وهمية» في هذه «البلاد‪..‬‬
 ‫يحسدني الناس عليه‪ .‬هكذا‬                                           ‫ألغاز لا أفهمها» (ص‪)107‬‬
                                                    ‫الرواية‪.‬‬        ‫(‪ .)1‬إن أول انطباع يتشكل‬
       ‫قالت أمي» (ص‪.)15‬‬               ‫إن «العدم» الذي ينتهي‬       ‫لدى القارئ هو صورة غير‬
     ‫المثير للسخرية‪ ،‬على أية‬       ‫إسماعيل به بعد خبرة عام‬       ‫مريحة «للصمت» الذي صار‬
  ‫حال‪ ،‬أن مدينة تبوك يشار‬         ‫حيث «كل شيء اقتربت منه‬             ‫ملمو ًسا‪ ،‬وذوبان وجود‬
      ‫إليها باستمرار كمدينة‬        ‫ابتعد» (ص‪ )359‬تم التنبؤ‬           ‫الراوي في بيئته الجديدة‬
 ‫«بغيضة»‪ ،‬بمثل ما هو الأمر‬        ‫به منذ البداية‪ .‬عمو ًما‪ ،‬خلال‬
    ‫بالنسبة للأرض الملعونة‬          ‫الفصول الثلاثين للرواية‪،‬‬               ‫بفعل الحر القائظ‪:‬‬
                                       ‫يل َقى القارئ خلي ًطا من‬     ‫انفتح باب الطائرة فرأيت‬
       ‫التي عالجتها جيسي‬           ‫الأحلام المجهضة‪ ،‬والآمال‬
     ‫ويستون في كتابها «من‬           ‫المحطمة‪ ،‬التي تؤكد وجهة‬                         ‫الصمت‪.‬‬
  ‫الطقس إلى الرومانسية»(‪،)3‬‬         ‫نظر إبراهيم عبد المجيد في‬         ‫شيء نادر أن تشعر في‬
  ‫والتي تنبني عليها قصيدة‬             ‫المكان كتمثيل للفردوس‬         ‫ظهرك بهواء المكيف بينما‬
 ‫إليوت(‪ .)4‬بناء على ذلك‪ ،‬فإن‬                                         ‫صدرك ووجهك يقابلان‬
‫القول الذي يتكرر على لسان‬                            ‫المفقود‪.‬‬    ‫الشمس‪ ،‬وأنت بعد لم تفارق‬
  ‫شخصيات عدة في الرواية‪،‬‬          ‫بتعرف القارئ على مجموعة‬        ‫باب الطائرة‪ ،‬لكن الذي خلفي‬
‫على سبيل المزاح (والمق َّفى‪ ،‬في‬                                    ‫دفعني برفق‪ ،‬فخطوت أول‬
  ‫صورة دعابة تثير المرارة)‬              ‫من المغتربين متنوعي‬      ‫خطوة‪ .‬ما كدت أفارق السلم‬
‫‪»-‬تبوك ُتنسيك أمك وأبوك»‬          ‫الثقافة‪ ،‬يصبح واض ًحا أنهم‬        ‫الصغير‪ ،‬وتلامس قدماي‬
                                  ‫وصلوا جمي ًعا إلى الأراضي‬
   137   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147