Page 144 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 144

‫العـدد ‪37‬‬                               ‫‪142‬‬

                                 ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬                          ‫(‪ .)96: 1962 Leavis‬إن‬
                                                                       ‫عدم جدوى الرحلة التي‬
‫يماثل حبس الغريب التوقيف‬            ‫المترهل» (ص‪ .)149‬ومن‬             ‫قام بها إسماعيل ثم تأكيد‬
    ‫الوجودي في ذلك الفضاء‬             ‫ثم‪ ،‬يشير إليه إسماعيل‬        ‫ذلك في نهاية الرواية‪ ،‬عندما‬
   ‫الواسع‪ ،‬ويصدف أن يوم‬                  ‫قائ ًل «ذلك الموقوف‬          ‫يقول لنبيل‪ ،‬الذي يجلس‬
                                                                    ‫إلى جواره في الطائرة عائ ًدا‬
‫ترحيل الغريب يكون هو يوم‬          ‫المنسي بالخوف والخذلان»‬            ‫إلى مصر‪ ،‬إنه لن يعود إلى‬
    ‫مغادرة إسماعيل النهائية‬        ‫(ص‪ ،)263‬غريب ووحيد‪،‬‬                 ‫السعودية‪ ،‬ولن يبقى في‬
    ‫لتبوك‪ .‬إن تبادل النظرات‬                                         ‫مصر (ص‪ .)385‬مثل هذا‬
    ‫الأخير بينهما‪ ،‬في المطار‪،‬‬          ‫مثلما يدل عليه اسمه‪.‬‬            ‫الفقد للوجهة أُشير إليه‬
          ‫يؤكد هذا التقارب‪.‬‬      ‫النظرة السريعة التي تبادلها‬         ‫في رد قاطع وسابق لنفس‬
    ‫لقد رآني فور نزوله من‬          ‫إسماعيل مع الغريب‪ ،‬بينما‬        ‫التأثير حينما فشل في كتابة‬
                                 ‫كان يمر أمام المنزل الموقوف‬      ‫خطاب يحافظ به على تواصله‬
  ‫العربة كما رأيته‪ ،‬ونظر إل َّي‬                                     ‫مع ناظر المدرسة التي كان‬
    ‫كمن كان يعرف أنني في‬            ‫فيه‪ ،‬هي فقط ما يمكن أن‬        ‫يعمل بها في مصر‪« :‬لن أعود‬
                                   ‫يبديه‪ ،‬تعبي ًرا عن التعاطف‬         ‫ولن أبقى هنا‪ .‬سأنفجر»‬
 ‫انتظاره‪ .‬يذكرني كما أذكره‬
   ‫بلا شك‪ .‬ولم أره ينظر إلى‬           ‫الذي يستطيع إسماعيل‬                          ‫(ص‪.)131‬‬
                                  ‫تقديمه‪ ،‬قبل أن ُيبعد بتأثير‬       ‫إن حالة إسماعيل المتذبذبة‬
        ‫أحد آخر‪( .‬ص‪)382‬‬                                              ‫بين ما يرغب فيه وبين ما‬
    ‫بنحو مماثل‪ ،‬كانت علاقة‬          ‫«المظهر الشرس» للجندي‬            ‫يقدر على تحقيقه واضحة‬
  ‫إسماعيل مع تلميذة الصف‬         ‫الذي يحرس المنزل‪ .‬الساخر‬           ‫أي ًضا في علاقاته بالآخرين‪.‬‬
 ‫المتوسط السعودية واضحة‬           ‫في الأمر أن الغريب موقوف‬        ‫يخفق في تقديم العون للطبيب‬
    ‫تفرض عليه حالة التعلق‬
 ‫بين الحياة والموت‪ .‬يقول إنه‬        ‫في البيت الوحيد في المدينة‬          ‫المصري‪ ،‬سيد الغريب‪،‬‬
   ‫مال إلى الفتاة رغم قناعته‬      ‫«الذي له حديقة‪ ،‬بها نخيل‪،‬‬           ‫الذي ُقدر له هو أي ًضا أن‬
  ‫بأنهما غير «مق َّدر» لهما أن‬    ‫وأشجار ليمون» (ص‪)104‬‬                 ‫يعيش معل ًقا بين عالمين‪.‬‬
     ‫يكونا لبعضهما البعض‪.‬‬           ‫تجسيد رمزي «للفردوس‬              ‫ُحددت إقامته في منزل في‬
 ‫تنتهي علاقتهما نهاية بائسة‬                                         ‫تبوك‪ ،‬و ُحجز الغريب دون‬
  ‫تما ًما‪ ،‬مثل «موحش وخا ٍل‬           ‫المفقود»‪ .‬تستحضر تلك‬
   ‫هو البحر ‪Oed und leer‬‬         ‫الصورة نفس ما تستحضره‬                 ‫«تحقيق‪ ،‬أو محامي‪ ،‬أو‬
    ‫‪ )7(»das Meer‬من أوبرا‬                                         ‫مرافعة‪ ،‬أو اتهام» (ص‪.)104‬‬
    ‫تريستان وإيزولد « ُينهي‬        ‫صورة «حديقة الزنبق» في‬          ‫تسبب موت امرأة إثر عملية‬
                                 ‫القصيدة‪ ،‬الذي ترتبط زهوره‬
     ‫فقرة الحب الرومانسي‬                                               ‫إجهاض غير قانونية في‬
‫بوحشة رومانسية» (‪Leavis‬‬                ‫بإله النباتات المقتولة(‪)6‬‬  ‫إلقائه إلى زاوية النسيان‪« ،‬لم‬
                                 ‫(‪ )101: 1962 Leavis‬والتي‬           ‫يسجنه‪ ،‬ولم يطلق سراحه»‬
       ‫‪ .)101: 1962‬متحي ًرا‬
    ‫بسبب المشاعر المتناقضة‬         ‫يعود منها العاشق «لا حيًّا‬          ‫(ص‪ .)149‬يذكرنا بقوة‬
 ‫وغرابة الموقف الذي يواصل‬                ‫ولا ميتًا» (‪.)40 -1‬‬         ‫بسيبيل التي ُتركت معلقة‬
  ‫إسماعيل التفكير فيه‪« :‬لماذا‬                                         ‫في زجاجة‪ ،‬تعاني جفاف‬
 ‫ح ًّقا لا أستطيع الابتعاد‪ ،‬ولا‬    ‫على الرغم من أن شخصية‬          ‫الشيخوخة وصروف الزمن‪،‬‬
  ‫أطيق الاقتراب من واضحة‬         ‫الغريب لا تكاد تبدو أساسية‬        ‫يبقى الغريب دون محاكمة‪،‬‬
    ‫بنت سليمان بن سبيل؟»‬                                             ‫مترو ًكا «ليجف مع الوقت‬
                                   ‫في مجريات الأحداث‪ ،‬يظل‬
      ‫(ص‪ .)176‬إنه يكشف‬            ‫مرتب ًطا بنحو رمزي بوجود‬
    ‫عن مشاعره حين يلقاها‪،‬‬         ‫الراوي في تبوك‪ .‬ليس تأثير‬
  ‫«فدخلت ورأسي منكس إلى‬           ‫حضوره فحسب في انشغال‬

                                       ‫إسماعيل بالمشكلة هو‬
                                  ‫المُلاحظ‪ ،‬ولكن أي ًضا توقيف‬

                                      ‫الغريب والاهتمام الذي‬
                                    ‫يوليه إسماعيل له‪ ،‬يربط‪،‬‬
                                  ‫بنحو ما‪ ،‬بينهما‪ .‬بمعنى ما‪،‬‬
   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149