Page 145 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 145

‫حول العالم ‪1 4 3‬‬

‫إن أفكار إسماعيل في الفصل‬          ‫كان كبش الفداء لأسرته‪،‬‬       ‫الغرفة‪ ..‬وقلبي يتدحرج أمام‬
    ‫الأول من الرواية تكشف‬      ‫وأن أخيه غير الشقيق سوف‬             ‫قدمي» (ص‪ )150‬وحينما‬
        ‫وتتساءل عن دوره‪:‬‬       ‫«يقفز» يو ًما ما «ليستولي على‬
   ‫وأتساءل حتى وصلت إلى‬                                         ‫يكون بقربها «روحي منجذبة‬
   ‫أنني شخص را ٍض بما أنا‬        ‫حصاد شقائه» (ص‪.)378‬‬                  ‫للحضور‪ ..‬وقلبي فرح‬
                                    ‫ويواجه إسماعيل نفسه‬
  ‫فيه‪ .‬را ٍض شديد الرضا‪ ،‬لا‬                                      ‫جذلان» (ص‪ )203‬لكن‪ ،‬في‬
  ‫أرى للحياة بع ًدا غير رعاية‬  ‫قرب نهاية الرواية «هل كنت‬          ‫نفس الوقت‪ ،‬يمكنه أن يرى‬
 ‫أمي وأخوتي بعد موت أبي‪.‬‬         ‫أعرف أني سأصل إلى هذه‬          ‫«أن الموت معلَّق فوق رأسينا»‬
                                                                  ‫(ص‪ .)241‬يفكر في نفسه‪،‬‬
    ‫كثي ًرا ما فكرت أني ربما‬   ‫النهاية‪ ،‬أم جئت هنا‪ ،‬على هذا‬      ‫«لماذا إذن تضعك الأقدار في‬
‫صرت شخ ًصا غير راغب في‬            ‫البعد‪ ،‬لأتق َّصى الأسباب؟»‬
 ‫الحياة‪ ،‬ما الذي أوصلني إلى‬      ‫(ص‪ .)363‬هنا فقط‪ ،‬بعي ًدا‬               ‫طريقي؟» (ص‪.)112‬‬
                                   ‫عن الوطن‪ ،‬حيث ُوضعت‬             ‫على أية حال‪ ،‬فإن انجذاب‬
   ‫ذلك؟ القراءة القديمة التي‬        ‫حياته تحت المجهر أمام‬       ‫إسماعيل إلى عايدة‪ ،‬الممرضة‬
‫انقطعت عنها؟ أم هو غبار في‬         ‫عينيه‪ .‬الآن‪ ،‬أصبح واعيًا‬
‫الفضاء يفسد صبوات الروح‬             ‫بحقيقة أنه كان «ضحية‬               ‫المصرية التي لقيها في‬
                                   ‫الواجب والمبادئ العائلية‬        ‫المستشفى‪ ،‬يحول اهتمامه‬
   ‫قبل أن تنشأ؟ ربما كرهي‬                                           ‫تدريجيًّا عن واضحة‪ .‬إن‬
   ‫الدفين لحالة الرضا الزائد‬   ‫البالية» (ص‪ ،)265‬إذ تركته‬          ‫صورة عايدة الرائعة تغزو‬
‫التي أعيشها هو الذي جعلني‬            ‫المسؤولية «الأخلاقية»‬          ‫لحظات تبادل الحب بينه‬
  ‫أوافق على السفر‪ ،‬لو لم أفز‬        ‫‪-‬والتي يشير إليها الآن‬        ‫وبين واضحة في آخر لقاء‬
 ‫بأي شيء فلا بد أني سأهز‬            ‫كـ»أكذوبة» التي وضع‬          ‫لهما‪ .‬ويصف الانقسام غير‬
 ‫الركود عن روحي ولو لمرة‪،‬‬                                        ‫المتوقع في مشاعره‪« :‬إنها لا‬
  ‫لا يمكن أن أعود كما جئت‪.‬‬          ‫أبوه «حبلها حول عنقه»‬        ‫تترك نفسها لي‪ ،‬بل تقبلني‪..‬‬
 ‫إن لم أفز بشيء سيصيبني‬          ‫(ص‪ -)39‬ليست أكثر من‬            ‫وفي اللحظة التي بدا فيها أنها‬
‫ولو جرح صغير‪ ،‬إن لم أنجح‬       ‫تضحية من الأخ الأكبر لأجل‬           ‫ذابت وتلاشت‪ ،‬رأيت على‬
 ‫سيكون لدي أسباب للفشل‪،‬‬                                         ‫وجهها طيف وجه آخر‪ ،‬وجه‬
    ‫وها هي روحي أخذت في‬                      ‫سائر الأسرة‪.‬‬       ‫عايدة» (ص‪ .)241‬بعدما فقد‬
 ‫الاهتزاز‪ ،‬تداهمها الكوابيس‪،‬‬   ‫بمعنى ما‪ ،‬فإن اسم إسماعيل‬        ‫كلتا المرأتين‪ ،‬الأولى إلى زواج‬
   ‫مع أني لم أرتكب خطيئة‪.‬‬                                          ‫تضحية‪ ،‬والثانية إلى عمل‬
   ‫(ص‪( )20‬التحديد لكاتبة‬           ‫يذكرنا بسميِّ ِه في القصة‬    ‫آخر‪ ،‬يحلل إسماعيل الموقف‪،‬‬
                                 ‫القرآنية التي ترد في سورة‬       ‫«في يومين متتاليين ضاعت‬
                  ‫الدراسة)‬     ‫الصافات (الآيات ‪)110 -101‬‬         ‫عايدة وواضحة» (ص‪)264‬‬
  ‫إن «انتفاضة الروح» تحقق‬      ‫كلاهما يضحي به أبوه لأجل‬         ‫«أُغلق كتاب واضحة إلى الأبد‬

    ‫بالتدريج معرفة بالواقع‪،‬‬         ‫غاية «سامية»‪ ،‬وكلاهما‬            ‫وخاب حدسي‪ ،‬واختفت‬
   ‫الذي أصبح أكثر وضو ًحا‬           ‫يخضع بقناعة‪ ،‬مستع ًدا‬       ‫ببساطة إغلاق يد وانفتاحها‪،‬‬
‫بفضل ملاقاته كامل البلتاجي‬      ‫للتضحية بحياته‪ .‬ويصل إلى‬         ‫ولا أظن للقصة تتمة غير ما‬
‫في المدينة‪ .‬والبلتاجي‪ ،‬الناشط‬  ‫إدراك أمر إضافي‪ ،‬عندما يرى‬       ‫جرى‪ ،‬فكل ما أحسست به لم‬
                               ‫أن «قناعته» السابقة قد لعبت‬
     ‫السياسي السابق‪ ،‬الذي‬      ‫دو ًرا رئيسيًّا في الجريمة التي‬    ‫يكن غير ظمأ» (ص‪.)265‬‬
    ‫قضى عم ًرا في السجون‪،‬‬       ‫تم ارتكابها في حق وجوده‪.‬‬            ‫الأمر اللافت للنظر‪ ،‬كيف‬
 ‫والذي سيقضي ما بقي من‬             ‫الآن‪ ،‬وقد تحققت اليقظة‬        ‫يخفق إسماعيل في فهم أنه‪،‬‬
   ‫حياته مترد ًدا بين الحرية‬      ‫يعترف بمسؤوليته قائ ًل‪:‬‬        ‫قبل أن يصل إلى السعودية‪،‬‬
 ‫والاعتقال (كلاهما بمعنيهما‬      ‫«أنا كاتبي وأنا قارئي فأنا‬
                                 ‫قاتلي لا محالة» (ص‪.)363‬‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150