Page 34 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 34

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪32‬‬

                                                    ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

  ‫علقتها تلك المدارس بالأدب تنم عن سوء فهم له؛‬      ‫استيفاء أكثرها أو وقوع أقلها فيه أو عدمها بالجملة‬
    ‫حيث يقول فى مطلع كتابه (ما هو الأدب)‪« :‬إن‬       ‫منه‪ ،‬ووجود نقائضها أو أكثرها‪ ،‬فبهذا النحو يصح‬

  ‫فهمنا للأدب قد ساء فى القرن العشرين أكثر من‬                                           ‫الاعتبار»(‪.)6‬‬
  ‫أى وقت مضى‪ ،‬فنحن نتطلب من الأعمال الأدبية‬         ‫وفي مرحلة لاحقة من المتصل الإنساني والحضاري‬
‫أن تحقق لنا أشياء ليس من وظيفة الأدب تحقيقها‪،‬‬       ‫النقدي يدعو الشاعر والناقد الإنجليزي الشهير ت‪.‬‬

     ‫ونحن نقيس هذه الأعمال بقيم لا تمت للأدب‬           ‫س‪ .‬إليوت إلى لا شخصية الفن أو الأدب‪ ،‬مخال ًفا‬
                                      ‫بصلة»(‪.)8‬‬        ‫بذلك النظرة الرومانسية الشائعة آنذاك عن الفن‬
                                                        ‫بوصفه تعبي ًرا عن الذات‪ ،‬إذ لا تعدو الذات فيما‬
 ‫وعرف رشاد رشدي الفن تب ًعا لإليوت بأنه «ليس‬
    ‫تعبي ًرا عن إحساس صادق مهما بلغ الإحساس‬              ‫يرى إليوت أن تكون مجرد وسيط لإنتاج خلق‬
    ‫أو التعبير من الصدق‪ ،‬كما أنه ليس تعبي ًرا عن‬        ‫موضوعي يحيا حياته الخاصة بعي ًدا عن الذات‬
       ‫شخصية الفنان‪ ،‬فالفنان لا يخلق فنًّا عظي ًما‬  ‫متأث ًرا ‪-‬بالضرورة‪ -‬بالحصيلة المعرفية لهذه الذات‬
     ‫بمحاولته التعبير عن شخصيته تعبي ًرا متعم ًدا‬       ‫وما تستوعبه من الإرث الثقافي والتقاليد الفنية‬
   ‫مباش ًرا‪ ،‬بل هو يعبر عن هذه الشخصية بطريق‬             ‫وبموهبتها الخاصة‪ ،‬ولكنه سرعان ما ينفصل‬
     ‫غير مباشرة عندما يركز جهده فى خلق شىء‬           ‫عنها ليحيا في كل مكان‪ ،‬وبذلك يكون العمل الأدبي‬

‫محدد‪ ،‬تما ًما كما يصنع النجار الكرسي أو المهندس‬                   ‫هرو ًبا من المشاعر لا تعبي ًرا عنها(‪.)7‬‬
     ‫الآلة‪ ،‬وكلما ازداد انفصال شخصيته عن عقله‬                 ‫على هذا النحو يتبين التطابق بين طرحي‬
                                                     ‫القرطاجني وإليوت ورغبتيهما في تحويل الاهتمام‬
 ‫الخالق كلما زاد اكتمال الفنان وازدادت قدرة عقله‬       ‫من الفنان إلى العمل الفني‪ ،‬وإن كان القرطاجنى‬
   ‫الخالق على تفهم المشاعر المختلفة التى هى مادة‬       ‫قد أدرك الحاجة وقتها للإسهام في إرساء قواعد‬
     ‫الفن وعلى إحالتها إلى شيء جديد وهو العمل‬       ‫البلاغة والشعر فألف منهاج البلغاء وسراج الأدباء‪،‬‬
                                      ‫الفني»(‪.)9‬‬        ‫فإن إليوت قد أدرك الحاجة لتغيير وجهة النظر‬
   ‫وإذ إن كل ناقد من النقاد الثلاثة قد قوض فهم‬        ‫الرومانسية السائدة عن الفن فى عصره ليؤكد أن‬
      ‫معاصريه للفن ووظائفه كان لاز ًما عليهم أن‬      ‫العمل الفني خلق موضوعي تكمن قيمته في ذاته لا‬

 ‫يطرحوا وجهات نظرهم فيما يخص وظائف الفن‪،‬‬                                   ‫في تعبيره عن ذات مبدعه‪.‬‬
    ‫وهنا نجد القرطاجني يعدد وظائف الفن ومنها‬         ‫ويبدو أن تلك النظرة الرومانسية كانت عزيزة على‬
     ‫الإمتاع؛ فحازم في حديثه عن المعاني الشعرية‬
                                                       ‫كثير من النقاد والمبدعين في مختلف أنحاء العالم‬
 ‫إنما يتحدث عن المعاني التي تحقق جمالية الشعر‪،‬‬          ‫مما دفع رشاد رشدي لنقل أفكار إليوت للعالم‬
                                                                                     ‫العربي مواج ًها‬
                                                                                 ‫المفهومين السائدين‬
                                                                                       ‫عن الأدب في‬
                                                                                    ‫تلك الفترة‪ ،‬وهما‬
                                                                                     ‫أن الأدب تعبير‬
                                                                                     ‫عن ذات الأديب‬
                                                                                       ‫تب ًعا للمدرسة‬
                                                                                     ‫الرومانسية‪ ،‬أو‬
                                                                                   ‫انعكاس للمجتمع‬
                                                                                       ‫تب ًعا للمدرسة‬
                                                                                    ‫الواقعية‪ ،‬معتب ًرا‬
                                                                                   ‫أن الوظائف التى‬
   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39