Page 36 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 36

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪34‬‬

                                                      ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

     ‫دون غيرها‪ ،‬فالرؤى النقدية كثيرة ومتسارعة‬         ‫وأصوات الشعر الثلاثة‪ ،‬وكتاب «وراء آلهة غريبة»‬
    ‫التغيير والظهور ‪-‬كما أشرنا ساب ًقا‪ ،-‬لكن ثمة‬              ‫الذي بدا فيه توجهه الأخلاقي بوضوح(‪.)15‬‬
   ‫مناهج نقدية اكتسبت شهرة وروا ًجا في التطبيق‬
‫في ثقافتنا دون غيرها؛ ففي مقابل رواج منهج الفن‬         ‫وكذلك تتمثل وظيفة الفن فيما يرى رشاد رشدي‬
  ‫للفن ومن قبله المدارس الكلاسيكية والرومانسية‬          ‫في إثارة إحساس معين لدى المتلقي وتأكيده‪ ،‬وقد‬
 ‫والواقعية ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬نجد استجابة خافتة‬
    ‫لاتجاه العبث ‪-‬على سبيل المثال أي ًضا‪ ،-‬إذ رغم‬        ‫عني رشاد رشدي عناية كبيرة ج ًّدا بالتكنيك في‬
    ‫ترجمة بعض أعماله وتقديم بعضها على خشبة‬                 ‫أعماله النقدية‪ ،‬وربما أسرف في استخدامه إلى‬
     ‫المسرح ظل بمنأى عن الممارسة العربية الفنية‬           ‫حد ما في أعماله الإبداعية‪ ،‬وإن كان القرطاجنى‬
  ‫أو النقدية الفاعلة‪ ،‬وربما يرجع ذلك إلى أن أفكار‬
 ‫العبث ليس بوسعها أن تجد روا ًجا في وسط يؤمن‬            ‫وإليوت قد تطرقا إلى وظائف مختلفة للفن وللنقد‬
 ‫بالثواب والعقاب والجنة والنار من ناحية‪ ،‬ويرغب‬         ‫بالتبعية فإن رشاد رشدي‪ ،‬وإن أراد بشدة التزام‬
  ‫بشدة في أن تمتد جذوره وتحيا ذكراه في الأرض‬
    ‫بعد أن يغادرها من ناحية أخرى‪ ،‬ومن ثم فإن‬                ‫وظيفة محددة للفن حصرها في إثارة مشاعر‬
   ‫مخزوننا التراثي والثقافي والفكري يحركنا دون‬        ‫معينة وتأكيدها‪ ،‬فقد أفلتت الأمور منه أحيا ًنا بفعل‬
‫وعي نحو الانجذاب لأفكار معينة دون غيرها‪ ،‬دون‬
    ‫أن ندرك بالضرورة علاقاتها بمكونات أفكارنا‬                  ‫السياقات التى أنتج فيها بعض أعماله(‪.)16‬‬
                                                           ‫ويبدو من خلال العرض السابق صدور أفكار‬
                                        ‫ووعينا‪.‬‬             ‫ومقولات نقدية متشابهة ‪-‬تختلف فقط بقدر‬
     ‫إن هذه الرؤية النقدية بما تتغياه من ضرورة‬            ‫اختلاف مفردات عصرها‪ -‬عن ثلاثة من النقاد‬
     ‫تبني نظرة أرحب في التعامل مع النتاج الثقافي‬      ‫المؤثرين في أزمنة وأماكن مختلفة استجابة لحاجات‬
  ‫إنما تسهم إسها ًما حقيقيًّا في إعادة هيكلة التأريخ‬       ‫فكرية وجمالية‪ ،‬وليس من أهداف هذه الورقة‬
  ‫الأدبي والنقدي‪ ،‬حيث تسعى لملء فجوات الرحلة‬             ‫البحثية انتزاع الريادة من طرف وإثباتها لطرف‬
      ‫النقدية بتلك الإسهامات التى لحقها التهميش‬         ‫آخر كما أنه ليس من أهدافها تتبع التأثير والتأثر‬
   ‫لسبب أو لآخر‪ ،‬وإقامة حلقات المتصل الإنساني‬          ‫من حيث كونه فكرة مباشرة حتمية تثبتها الوثائق‬
  ‫الحضاري الذي يتسع ليشمل جميع الحضارات‪،‬‬                  ‫والأدلة؛ ذلك أننا نهدف إلى إثبات وجود الفكرة‬
     ‫منذ الحضارة المصرية القديمة مرو ًرا بالبابلية‬       ‫النقدية والاعتراف بوجودها ووضعها موضعها‬
‫واليونانية واللاتينية والعربية والغربية حتى وقتنا‬        ‫الذي تستحقه من المتصل الإنساني دون إقصاء‬
  ‫الراهن‪ ،‬مما يتطلب جهو ًدا نقدية كبيرة وتواص ًل‬      ‫أو تهميش أو حتى الدراية بها‪ ،‬ومن ثم إغفالها من‬
  ‫مع النتاج الفكري والفني في مختلف أنحاء العالم‪،‬‬      ‫الرحلة الإنسانية عميقة التأثير في تشكيل وعي كل‬
‫متجاوزة بذلك نظريات الهيمنة والتبعية والتمثل إلى‬
  ‫رحاب أوسع من التلاقي الإنساني في تقاطعه مع‬                                         ‫من ينتمون إليها‪.‬‬
                                                          ‫فكلما طالعنا تراثنا بوعي أصابتنا الدهشة مما‬
                  ‫الخصوصيات القومية والفردية‬             ‫حظي به هذا التراث من أفكار تحتاج إلى إبرازها‬
                                                           ‫والاعتراف بوجودها ودورها في تشكيل رحلة‬
                                                         ‫نقدية طويلة وممتدة‪ ،‬ليس هذا فحسب‪ ،‬حيث إن‬
                                                       ‫هذه المطالعة لتراثنا وجذورنا الثقافية بإمكانها أن‬
                                                      ‫توضح لنا السبب وراء تقبلنا لبعض المناهج النقدية‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41