Page 40 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 40

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪38‬‬

                                                           ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

‫أعناقها الطويلة وتنظر إل َّي حذرة‪ ،‬لكن هذه النظرات‪،‬‬            ‫ملونة الرؤوس والأرجل والأجنحة‪ ،‬تمشي على‬
                 ‫وهذا الحذر ليسا إجابة لندائي»‪.‬‬                ‫طمأنتها حتى تكاد تدخل البيوت‪ ..‬ومضت نحو‬
                                                            ‫الداخل لتخبرني بأن طيور الكراكي جاءت بالربيع‬
‫في القدس يشاهد عبودة «طيور الكراكي التي تحيط‬
        ‫بأبراجها وأسوارها»‪ ،‬كأنها حارسة المكان‪.‬‬                  ‫والمطر‪ ،‬وأنها تحيط بالبيت وكأنها الخراف»‪.‬‬
                                                              ‫غمرت الناس الفرحة بهطول المطر‪ ،‬وكذلك طيور‬
    ‫بعد عودة عبودة والأب طنوس من رحلتهما في‬                   ‫الكراكي «واقتربت طيور الكراكي وتكاثرت كلما‬
 ‫البحث عن ماريا‪ ،‬يقول‪« :‬حين وصلنا‪ ،‬رأينا طيور‬               ‫رهج ضوء النهار أكثر‪ ،‬فماجت الطيور في سبخات‬
 ‫الكراكي تموج بين البيوت وحول البلدة‪ ،‬بدت مثل‬                  ‫المطر الصغيرة المتلامعة هنا وهناك‪ ،‬وبطمأنينة‬
  ‫قطعان الغنم‪ ،‬ولم نجد أمي»‪ .‬كأن الكراكي يشعر‬
                                                                                                   ‫بادية»‪.‬‬
              ‫بإضطراب المكان بغياب الأم وماريا‪.‬‬                ‫تسترد الناس عافيتها بعد توقف المطر‪ ،‬وتخرج‬
 ‫في مناجاة للنفس يستعيد عبودة ذكرياته في البيت‬
                                                                 ‫النساء إلى النهر يغسلن ثيابهن‪ ،‬وكذلك طيور‬
     ‫بعد غياب أمه‪ ،‬ويستعيد قول الأب طنوس عن‬                     ‫الكراكي «استرد المطر أنفاسه وعاد إلى غيومه‬
 ‫طيور الكراكي حينما حسبتها الأم قد أكلت طفلها‪،‬‬                   ‫المعرشات في الفضاء مثل طيور الكراكي التي‬
  ‫«وهنا بارك طيور الكراكي التي دخلت البيت‪ ،‬من‬              ‫هدأت واستكانت في الحواكير‪ ،‬وبين البيوت‪ ،‬وقرب‬
 ‫دون خوف أو حذر‪ ،‬هنا أزال خوف أمي من طيور‬
‫الكراكي حين قال لها‪ :‬هي إخوة لمن لا إخوة له‪ ،‬إنها‬                                               ‫الأسيجة»‪.‬‬
  ‫أخوة عبودة‪ ،‬فلا تنهريها‪ ،‬إنها ألوفة مثل الإخوة‪،‬‬              ‫طيور الكراكي جزء من تكوين المكان‪ ،‬ويتخذ في‬
  ‫فلا تخيفك مناقيرها الطويلة‪ ،‬إنها خراف السماء‪،‬‬                ‫السرد صفة الوصف لما يحدث في المكان‪ .‬حينما‬
                                                             ‫قرر العجوز الخال حرق بيوت القرية إذا لم تظهر‬
     ‫خراف عبودة‪ ،‬خراف البيت‪ ،‬إنها عنوان الأمن‬
   ‫والأمان‪ ،‬ومعنى الطمأنينة والسلام‪ ،‬إن حضرت‬                     ‫(فضة) الفتاة الغجرية التي اختفت في القرية‪،‬‬
                                                            ‫وبدأ الاضطراب والصراخ من الأهالي‪ ،‬كانت طيور‬
     ‫حضر الأمن والأمان والسلام‪ ،‬وإن غابت غاب‬
                        ‫الأمن والأمان والسلام»‪.‬‬               ‫الكراكي أي ًضا تتصارخ وتشارك الناس همومهم‬
                                                               ‫«وسها الناس عن المطر النثيث‪ ،‬وعن طيور البط‬
‫يمثل العنوان ن ًّصا مواز ًيا ضمن رؤية المؤلف‪ ،‬وهو‬           ‫والإوز والكراكي التي تصارخت وهي ترى الناس‬
  ‫جزء من عملية التجريب في الرواية الحديثة‪ ،‬التي‬             ‫يتطايرون من بيت إلى بيت‪ ،‬ومن زقاق إلى زقاق»‪.‬‬
   ‫تعني الابتعاد عن العناوين المثيرة أو التي تحمل‬            ‫عندما يعرف عبودة من أمه أن ماريا غير منذورة‬
  ‫بع ًدا أيديولوجيًّا أو مرجعيًّا‪ ،‬فاختار المؤلف عنوا ًنا‬      ‫للكنيسة‪ ،‬يفرح‪ ،‬وتشاركه طيور الكراكي فرحه‬
 ‫دلاليًّا سياقيًّا‪ ،‬يبرز نزعة الحنين إلى الماضي‪ .‬فهذا‬        ‫«حين وصلت أمي إلى البيت‪ ،‬رأت جم ًعا من طيور‬
    ‫الطائر يعد من الطيور المهاجرة «طيور الكراكي‬            ‫الكراكي قد دخلت إلى البيت‪ ،‬وأكلت دوائر الشوندر‬

‫جاءت بالربيع والمطر»‪ ،‬يمثل حالة الفلسطيني الذي‬                            ‫الأرجوانية‪ ،‬وأقراص التمر المثلثة»‪.‬‬
  ‫هاجر من أرضه بحثًا عن الأمان في المعنى العميق‬              ‫يصف الزهروري وصديقيه النساء في يوم القمر‬
  ‫للدلالة‪ ،‬أما في المعنى البسيط فهو من الطيور التي‬
                                                                ‫قرب البحيرة كأنهن مثل طيور الكراكي «بدت‬
    ‫تحدث عنها خبراء علم الطيور أن طائر الكراكي‬                ‫النساء بأثوابهن البيض مثل طيور الكراكي حين‬
   ‫يتميز بكبر حجمه‪ ،‬وأنه طائر اجتماعي يعيش في‬
  ‫المناخ المعتدل الدافئ بالقرب من المسطحات المائية‬                             ‫تجتمع حول بعضها البعض»‪.‬‬
                                                                 ‫بعد أن عاد عبودة من الكنيسة ولم يلتق الأب‬
     ‫في مجموعات كبيرة تسمى «أسرا ًبا»‪ ،‬ويتغذى‬              ‫طنوس ليسأله عن ماريا التي اختفت‪ ،‬كان في طريق‬
    ‫على كل ما يمكن أن يجده في بيئته من الأسماك‬               ‫عودته يصرخ مناد ًيا على ماريا‪ ،‬فلم ينتبه إليه إلا‬
 ‫والحشرات والقوارض الصغيرة‪ ،‬إلى جانب البذور‬                 ‫طيور الكراكي «وكلما خلا الطريق ناديت بالصوت‬
 ‫والتوت والحبوب والنباتات المختلفة‪ .‬وهذه الطيور‬                 ‫العالي‪ ،‬ماريا‪ ،‬ماريا‪ ،‬فلا يرد عليَّ أحد‪ ،‬صحيح‬
   ‫تتزاوج مع زوج واحد فقط مدى الحياة‪ ،‬ويختار‬                 ‫أن طيور الكراكي التي سرها دفء الصباح ترفع‬
     ‫شريكه بالحب‪ ،‬ويبدي إعجابه بالأخر بطريقة‬
   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45