Page 41 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 41
39 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الأحداث ،ويتحدث بضمير الأنا المتكلم ،وبضمير الرقص والقفز المتتالي ورفرفة الجناحين ،وذلك
الغائب ،أو من خلال تقنية تيار الوعي (المناجاة) ،أو تعبي ًرا عن البهجة والفرح بصوت عالي.
(الذكريات) نق ًل عن الآخرين ،ويشكل بها بناء عالم
ونلاحظ من الدلالات التي اقتبسناها من السرد أن
الأحداث .تمثل هذه التقنيات الأدوات الفنية التي طيور الكراكي هي طيور متآلفة للمكان وتعيش بين
يعبر من خلالها الكاتب عن شخوص الرواية وعن
رؤيته في البناء السردي ،فكان ضمير المتكلم (الأنا) السكان دون خوف ،وتأكل من بيوتهم ،وتشعر
بمشاعرهم ،فهي حارسة المكان .دلالة على تماهي
الأكثر تعبي ًرا عن مكنونات الشخصية الرئيسية،
والعين التي ترى الأحداث وتصفها ،فهذا الضمير بنية الرواية وشخوصها مع الأرض التي دارت
يوهم بتطابق أو بتماهي صوت الراوي في النص عليها الأحداث ،وتمثل الرؤية التي طرحها الأب
طنوس لطيور الكراكي «إنها عنوان الأمن والأمان،
مع صوت المؤلف الحقيقي في الواقع ،كما يوهم ومعنى الطمأنينة والسلام ،إن حضرت حضر الأمن
بواقعية التجربة وحقيقية الشخصيات ،ويؤكد ما والأمان والسلام ،وإن غابت غاب الأمن والأمان
ذهب إليه في تصدير الرواية إلى استكمال ما تلف والسلام» ،يؤكد ما ذهبنا إليه أن هذه الطيور تمثل
الفلسطيني نفسه الذي يمثل الأمن والأمان في
من كتاب جده من خلال ما تناقله عن الآخرين. وجوده على المكان /الأرض الفلسطينية ،لذا كانت
ولكن ثمة تداخلات بين الضمائر في السرد من طيور الكراكي في القدس حين شاهدها عبودة
خلال الانتقال المفاجئ من ضمير إلى آخر ،وهذا ما «طيور الكراكي التي تحيط بأبراجها وأسوارها»،
نجده في الرواية ،حيث نجد السارد يتحدث بضمير رغم أن القدس ليس فيها سبخات أو مستنقعات،
الأنا ،ثم ينتقل إلى ضمير الغائب ،ويأخذ شكل ولكن وجودها من وجود الفلسطيني ،ولكن حين
الحوار ،فهذا عبودة جالس مع أمه يقول بضمير غاب الفلسطيني غاب الأمن والأمان والسلام،
(الأنا)« :الليلة ،وقد ساعدت أمي في سلق رؤوس
الشوندر ونظفتها بالماء الساخن ..قلت لأمي :قبل وبقيت طيور الكراكي حارسة للمكان.
أن أعود من الكنيسة سألت الأب طنوس إن كان
سيأتي إلينا ،فقال :سأحاول( .وهنا ينتقل السرد بناء الرواية وتقنيات السرد:
بضمير الغائب) قالت أمي :إن جاء ..سيأتي لنا
بالكعك المحلى بالسكر وجوز الهند .قلت :أنا أحب تعد رواية الكراكي رواية فريدة ومعقدة ومتشابكة
كل ما يأتي به الأب طنوس .قالت :ولعله يأتي في بنائها الفني ،حيث يتوه القارئ بين فصول
وماريا معه! قلت :ح ًّقا؟ .قالت :لعله! ربما أحست الرواية بحثًا عن بدايتها أو عن مسيرة السرد
أمي بأنني تفاجأت ،لهذا بلعت ما تبقى من الكلام».
إن تقنيات الرواية الحديثة تبرز بشكل جلي في هذه الروائي ،فليس ثمة تسلسل للأحداث بالصورة التي
الرواية ،بما تناولته من تقنيات سردية لم تكن نعرفها في الرواية التقليدية التي من خلالها نضع
موجودة في الرواية التقليدية ،فإذا كانت الرواية أيدينا على البدايات والنهايات ،وهذه ميزة الرواية
التقليدية تعتمد على سارد واحد يروي الأحداث، الحداثية المنفصلة تما ًما عن الأسلوب التقليدي في
فثمة في الرواية الحديثة تعدد للرواة أو للساردين، السرد.
فنجد في هذه الرواية صوت آخر مشارك في السرد، تستمد رواية «الكراكي» كرواية حداثية أبرز
وهو متساوي مع الشخصية الرئيسية في المعرفة، العلامات الدالة على حداثتها من مجمل تلك
ويسرد بضمير الغائب ،نقرأ« :ها هم يتدافعون الخصوصيات التي تضفي عليها سمات الكتابة
فوق خطاهم الواهنة المرتجفة نحو القرية الأخيرة المغايرة للسائد السردي ،والمتميزة عنه بحكم ما
في دورتهم الجديدة ،في وسط ظلمة لا تفصح عن تتوفر عليه هذه الرواية من عناصر إضافية نوعية
شيء ،ولا يكشف عن وجودهم سوى الضجيج والتي تتفاوت من كاتب إلى آخر.
والهمهمات والأنوف الشارقة للهواء ،والسعال، يأتي سرد الأحداث من خلال شخصية محورية
وهي (عبد الله أو عبودة) الذي تدور حوله