Page 46 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 46
العـدد 37 44
يناير ٢٠٢2
بأجمل ما لديهم من ثياب ،وقد دهنوا شعورهم يقدمونها هدية للغجر ،فنجد خزافي القرية يأتون
بـ(البريق) اللامع ،فالليل ساعات للفرح ،والغناء، لكي يصنعوا أشكا ًل من الخزف والزجاج ،وكذلك
صناع الفخار ،وصناع النسيج ،وتأخذ النساء في
والرقص ،والهمهمات ،والوشوشات ،والتلاقي! إشعال تنانير الخبز لصناعة الخبز وفطائر الزيت
ومنذ الليلة الأولى تتحدد رياح الشوق ،فالعاشق بالزعتر ،والهندباء ،والحميضة ،والقريشة ،والجبنة.
يحوم حول معشوقته». وأي ًضا من الصناعات التي تمثل تراث القرية
وتستمر ليالي القصل ثلاثة أيام ،والكل غارق الفلسطينية ،التي غابت ولم تعد قائمة إلا في الثقافة
في نشوة الحب والفرح« ،طوال ليال ثلاث ،وبعد الشعبية ،يشاهد عبودة وهو في طريقه إلى الكنيسة
الإعلان عن ماء الذرة الحليبي ،الذي غدا «بوظة» بما يشبه سوق القرية؛ صانعي الحبال ،وصانعي
-أي خمرة للحب وخمرة للعاشقين -يرتوي الشموع ،وبائعي الحلوى ،والحدادين ،والنجارين،
الشبان والشابات به ،فتتقارب الأرواح ،والمشاعر،
والنفوس ،والأجساد إلى حد التماهي والذوبان! وصانعي الفخار ،وصانعي الأحزمة الجلدية،
فينطرح الجميع في وهن اسمه وهن الحب» .وفي ورج ًل يحمل على ظهره قربة منفوخة مملوءة
نهاية أيام القصل يأتي الشبان إلى البنات خاطبين بمنقوع الخروب ،وامرأة تطبخ رؤوس الشوندر
وما من أسرة تمنع طلب الخطوبة «لأن ما من أحد المحلى بالسكر ،وامرأة عجوز تقشر أعواد القصب
يدري ماذا حدث بعد أن جعل ماء الذرة الحليبي وتحزمها للعابرين .ومن العادات التي يشير إليها
في القرية أن المرأة تخبز خب ًزا في كل وقت من
الأجساد والأرواح طيو ًرا طائرة». أوقات اليوم ،بمعنى أن ثمة خبز للصباح ،وخبز
أما موسم (يوم القمر) فيأتي حينما يكون القمر
بكامل مهابه ،هو موسم تخرج فيه النساء العاقرات للظهيرة ،وخبز للمساء.
ومن ألوان التراث الأخرى التي يأتي السرد على
إلى البحيرة بلباسهن الأبيض ،وفي هذا اليوم ذكرها ،الأشياء والأدوات التراثية ،مثل :قرب الماء،
يختفي كل الرجال من المكان ،لأن وجود رجل في وقفف القش ،والسلال ،والصواني ،بالإضافة إلى
المكان يعني لا استجابة لدعائهن ،وتأخذ النساء المأكولات الشعبية مثل :فطائر الحميضة ،وجبنة
في السباحة في النهر /البحيرة ،وهن في حالة دعاء القريش ،وفطائر الهندباء والزعتر ،وفطائر التفاح
المدقوق المدهون بالعسل ،وأقراص التمر المثلثة،
وبكاء ،ثم يوقدن الشموع ويضعنها على ألواح ولقمة الفقراء .لقد أعاد رسم صورة الماضي ،كأن
خشبية لكي تعوم على سطح البحيرة (كما مشى القارئ يشاهد لوحة سينمائية تعبر عن مكونات
السيد المسيح على الماء) .هذا الموسم يقابله موسم
«أربعاء أيوب» في قرى فلسطين الجنوبية ،وهو القرية الفلسطينية القديمة ،حيث لم تعد هذه
من المواسم التي يحتفل بها المسلمون والمسيحيون، المكونات قائمة إلا في الذاكرة الشعبية.
يسبق عيد الفصح ،حيث كانت النساء تخرج في يوم
محدد /الأربعاء من كل عام إلى البحر لكي يغسلن وفي المواسم الشعبية ،ونشير هنا إلى موسمين؛
رؤوسهن وأجسادهن من مياه البحر ،دلالة على موسم (أيام القصل) الذي يأتي في نهاية موسم
حصد القمح ،ونرى فيه ملامح الحياة الشعبية التي
التلقيح والإخصاب. تصاحب حصيد القمح والطقوس التي تواكبها،
وتضمن السرد أي ًضا محكيات شعبية هي أقرب مثل أيام التعزيب ،وبناء عرائش القصل ،وحليب
إلى الخرافة أو الأسطورة التي يستند إليها الأهالي
في بناء أفكارهم ورؤاهم الشعبية .حكايات تعبر الذرة .تستمر أيام القصل عدة أيام وهي أيام
عن الحياة ،وعن حالة الإنسان المستقر على أرضه فرحة وبهجة ،ومصارحة وتحقيق أحلام الشباب
الباحث عن السعادة والفرح ،وقد بنى حكاياته والفتيات« ،وفي الليل تتزين الصبايا ،فيلبسن أجمل
على الحب والموت أو الغياب ،فنجد حكاية (عوفة ما لديهن من الثياب والأساور والأطواق والغوازي،
ونجيم) وحكاية (ريا ..طب) .في الأولى تستند عقلية
الأهالي على تكوين مناسبة موسم أيام القصل، ويصبغن أظافرهم بالألوان البهيجة ،ويمسحن
وجوههن بالمعاجين المعطرة ،كما يتزين الشبان