Page 51 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 51

‫‪49‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫شخصيات سرد الأحداث‪:‬‬                                                 ‫في ظل الاحتلال البريطاني‪.‬‬
                                                     ‫إن الزمن في رواية «الكراكي» زمن ممتد متغير‪،‬‬
  ‫تضمنت الرواية العديد من الشخصيات‪ ،‬ولكن لا‬
  ‫أحد من هذه الشخصيات يمثل البطولة المطلقة في‬            ‫ولكنه يعبر عن تاريخ المكان والأحداث التي‬
  ‫السرد أو سير الأحداث‪ ،‬إنما كل الشخصيات هي‬            ‫تفاعلت فيه على مر السنوات‪ ،‬فالزمن يمتد من‬
 ‫بطلة في المكان‪ ،‬ومما يؤكد ذلك أن كل الشخصيات‬      ‫تاريخ السيد المسيح إلى زمن الاحتلال البريطاني‪،‬‬
                                                   ‫إلى زمن الترحيل القسري والغياب عن المكان سنة‬
      ‫تعيش في مكان واحد‪ ،‬دون أن يكون ثمة لقاء‬          ‫‪ .1948‬لا تخضع الأحداث إلى الترتيب الزمني‬
   ‫بينها‪ ،‬فلم يكن ثمة لقاء بين عبودة والزهروري‪،‬‬         ‫المتواتر‪ ،‬فثمة مفارقة زمنية بين زمن السرد‪،‬‬
   ‫أو بين الزهروري والأب طنوس‪ ،‬فكل شخصية‬                ‫وزمن سرد أحداث الحكاية نفسها‪ ،‬وذلك من‬
    ‫تعيش عالمها في المكان‪ ،‬وتتحرك في إطاره‪ ،‬ومن‬      ‫خلال تقديم حدث على آخر‪ ،‬أو استرجاع حدث‪،‬‬
‫خلال حركتها نتعرف على المكان‪ .‬فالمكان هو البطل‬       ‫أو استباق حدث قبل وقوعه‪ .‬مما يعني أنه ليس‬
 ‫الرئيسي الذي تدور فيه ومن خلاله الأحداث‪ .‬هنا‬      ‫ثمة تسلسل للأحداث بالصورة التقليدية المتعارف‬
‫يصبح المكان بمثابة المجتمع بالنسبة للشخصية من‬      ‫عليها بأن ثمة بدايات ونهايات وعقدة سوف نصل‬
  ‫خلال التفاعل الذي يحدث معه ومع أفراده‪ ،‬حيث‬         ‫إلى حل لها‪ ،‬فالحبكة الروائية ترتبت على تصادم‬
  ‫يتحدد طبيعة سلوكها وصفاتها‪ ،‬ويدفعها للتعبير‬       ‫الأهواء والمشاعر بين الشخصيات‪ ،‬أو على أحداث‬

                  ‫عما يجول بداخلها من مشاعر‪.‬‬                                   ‫خارجة عن ارادتها‪.‬‬
 ‫ورغم ذلك ثمة تميز بين الشخصيات بما تستأثره‬
                                                                                            ‫طائر الكراكي‬
    ‫من اهتمام الراوي‪ /‬الكاتب‪ ،‬حين يخصها دون‬
   ‫غيرها من الشخصيات الأخرى بقدر من التميز‪،‬‬

      ‫ويمنحها حضو ًرا طاغيًا‪ ،‬وهذا ما أطلقنا عليه‬
 ‫بالشخصيات المحورية والتي مثلها‪( :‬الأب طنوس‪،‬‬
‫وأم عبودة‪ /‬هدلة‪ ،‬وماريا‪ ،‬والعجوز الخال)‪ .‬وهذه‬
 ‫الشخصيات المحورية تمارس حضو ًرا أساسيًّا في‬

  ‫سرد الأحداث‪ ،‬ولكنها لا تتحدث عن نفسها‪ ،‬إنما‬
   ‫حديثها ووصفها كان من خلال عيني «عبودة»‪.‬‬
  ‫وثمة شخصيات ثانوية يتباين مدى الاهتمام بها‪،‬‬
    ‫ويقدمها لكي تبرز جانبًا من التجربة الإنسانية‬

      ‫الروائية‪ ،‬وتقوم بدور تكميلي في السرد‪ ،‬مث ًل‬
  ‫شخصية (أم فضة) لا تحظى باهتمام الراوي في‬
  ‫تشكيل بنائها السردي‪ ،‬ويقدمها لكي تبرز جانبًا‬
   ‫من التجربة الإنسانية الروائية وهي التعرف على‬
‫شخصية «فضة»‪ ،‬وعلى بعض عادات الغجر‪ ،‬ومثلها‬
   ‫شخصية (عباس) والد «قدورة» الذي يقدمه في‬

     ‫السرد لكي يشرح للزهروري عن حياة الغجر‬
  ‫بحكم تجربته معهم‪ .‬وكذلك شخصية (فضة) لم‬

     ‫يكن لها دور إلا أنها فتاة غجرية وقع في حبها‬
  ‫«الزهروري»‪ ،‬ثم اختفت حين رحلت مع جماعتها‬

    ‫الغجر‪ ،‬ونجد أي ًضا شخصية (الشعباني) الذي‬
    ‫يطلق عليه وجيه القرية‪ ،‬الذي يقف أمام الناس‬
   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56