Page 55 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 55

‫‪53‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                  ‫سلم وقل «يخشي من كي مش‬                                                                      ‫يدي مدى الدهر فوق ردف‬
                       ‫أشت) حديثًا طال كتمانه‬                                                                 ‫وراحتي تحت كأس راح»(‪)2‬‬
                                                                                         ‫فالشاعر هنا يتهكم على الدين‪ ،‬ويدعو الله أن يديم‬
               ‫(كفلكم كزم ساوم امش اط كبى)‬
                            ‫فحبه أنت وأشجانه‬                                                                          ‫عليه ذلك التهاون‪.‬‬
                                                                                          ‫وكثر الغزل بالمذكر بين الشعراء المصريين وذلك‬
               ‫واسأل لي الوصل فإن قال (يوق)‬
                    ‫فقل (أوات) قد طال هجرانه‬                                                                    ‫نتيجة لعدة أسباب أهمها‪:‬‬
                                                                                         ‫‪ -1‬الانحلال الذي يصاحب نمو بعض الحضارات‪،‬‬
                  ‫وكن صديقي واقض لي حاجة‬
                    ‫فشكر ذا عندي وشكرانه»(‪)4‬‬                                                  ‫أو بالأحري في نهاية نموها وبداية سقوطها‪.‬‬
                                                                                                 ‫‪ -2‬اختلاط الأجناس البشرية والثقافات‪.‬‬
  ‫يتغزل هذا المتصوف بمعشوقه التركي ويتحدث‬
   ‫بلغته‪ ،‬فإذا كان هذا حال المتصوف الناسك‪ ،‬فما‬                                          ‫‪ -3‬انتشار مجالس الشرب وما كان فيها من غلمان‬
                                                                                            ‫وسقاة على جانب موفور من الجمال والخلاعة‪.‬‬
                          ‫بالنا برواد الديارات؟!‬                                              ‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فقد تفشت هذه الظاهرة‪،‬‬
      ‫ومن الألوان الحسية قول سيف الدين المشد‬                                               ‫وأخذت في الانتشار‪ ،‬وكانت هناك عوامل تغذيها‬
                                                                                            ‫وتمدها بالحياة‪ ،‬يقول د‪.‬محمد زغلول سلام في‬
          ‫يخاطب صاحبه في لهجة داعرة مبتذلة‪:‬‬
                   ‫«لا تعربد فما لك اليوم حظوة‬                                          ‫معرض حديثه عن الغزل بالمذكر في العصر الأيوبي‬
                       ‫أنت تدري بأن عندي قوة‬                                                 ‫«ور َّبما كان سبب انتشار هذا اللون من القول‬
                     ‫لا تقل إنني كبرت وكرشت‬
                     ‫وقد صار عند نفسي نخوة‬                                              ‫يرجع إلى سبي الحروب من غلمان الفرنج‪ ،‬وما كان‬
                      ‫أنت ذاك الذي عهدت زما ًنا‬                                           ‫يجلبه تجار الرقيق من أطفال الأتراك من أصقاع‬
                      ‫تتمشي معي إلى كل دعوة‬                                                  ‫آسيا‪ ،‬وأصبح هؤلاء بملاحتهم موضع القربي‬
                   ‫كم رقدنا في كل مسلح حمام‬                                                 ‫من الناس‪ ،‬حتى الأمراء والسلاطين‪ ،‬بل الفقهاء‬
                     ‫وصرنا من بعد ذاك لخلوة‬                                              ‫والعلماء لم يزعهم الدين والتقية عن أن يصطحبوا‬
                       ‫أنت قم خاض ًعا لدي وإلا‬                                                   ‫الغلمان ال ِصباح الوجوه في مجالسهم»(‪.)3‬‬

                ‫قمت من ساعتي أخذتك عنوة»(‪)5‬‬                                              ‫ومصادر وروافد هذه الظاهرة إ َّما أسواق النخاسة‬
‫وكأن الشاعر في الأبيات السابقة‪ ،‬يريد أن يغتصب‬                                             ‫التي تقذف ك َّل يوم بالعديد من الأجناس المختلفة‪،‬‬

             ‫لذته ويدعو صاحبه لعلاقة فاحشة‪.‬‬                                                 ‫أو سبي الحروب‪ ،‬فهناك «الطوائف الوافدة مثل‬
      ‫وفي أبيات أخري يصرح بحاجته ويطلب من‬                                               ‫الأويراتية‪ ،‬تلك الطائفة التترية التي وفدت إلى مصر‬

                              ‫صاحبه قضاءها‪:‬‬                                               ‫في عهد كتبغا‪ ،‬فأسكنها الحسينية‪ ،‬وعرف غلمانها‬
              ‫«يا هلالا إذا بدا‪ ..‬وقضيبًا إذا خطر‬                                         ‫بالجمال حتى كان يقال البدر فلان‪ ،‬والبدر فلان‪،‬‬
                                                                                        ‫وقد بهر هذا الجمال بعض رجال المتصوفة هو تقي‬
                ‫وهزا ًرا إذا شدا‪ ..‬وغزا ًل إذا نظر‬                                         ‫الدين السروجي ففتن به‪ ،‬وتدله بحي الحسينية‬
            ‫بي إلى فيك حاجة‪ ..‬أنا منها على خطر‬
                                                                                                                               ‫وسكانه‪:‬‬
              ‫قبلة ثم نهلة‪ ..‬من رضاب به حصر‬                                                               ‫يا ساعي الشوق الذي مذ جرى‬
    ‫فاقضها أقض سيدي‪ ..‬من زماني بها وطر»(‪)6‬‬
                                                                                                                 ‫جرت دمعي فهو أعوانه‬
       ‫وشهد بعض شعراء هذه الفترة على نفسه‬                                                                   ‫خذ لي جوابي عن كتابي الذي‬
     ‫بالشذوذ‪ ،‬وذهب إلى أن غزل المذكر في شعره‬
  ‫منشؤه في مجتمعه‪ ،‬يقول ابن مكانس في رسالته‬                                                                         ‫إلي الحسينية عنوانه‬
                                                                                                              ‫فهي كما قد قيل وادي النقا‬
                          ‫التي أعلن فيها توبته‪:‬‬
 ‫«أجاب المتيم داعي الطلل‪ ..‬وقال له ُم َّت؟ قال أجل‬                                                              ‫وأهلها في الحسن غزلانه‬
‫دَسعاقنييالفلههيّاجطل َناا َلًراذاَخ َكب ْاتل‪ِ..‬ح َمو َىهيّج ُجر ًحا َبرى وا ْن َد َمل‬                         ‫امش قلي ًل وانعطف يسرة‬

                    ‫برشف ال ُه َويدب من كل طل‬                                                                     ‫يلقاك درب طال بنيانه‬
‫وحيّا ُر َباها بوبل الحيا‪ ..‬إذا أعوز الشامخات الب َلل‬                                                       ‫واقصد بصدر الدرب ذا الذي‬

                                                                                                                   ‫بحسنه تحسن جيرانه‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60