Page 54 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 54

‫العـدد ‪37‬‬   ‫‪52‬‬

                                                     ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

‫د‪.‬حنان الشرنوبي‬

‫شعر الكنائس والأديرة المصرية‪..‬‬
‫الغزل بالمذكر والشذوذ والغلمان‬

‫يحتوي ديوان ابن نباتة على مقطوعات كثيرة في الغزل بالغلمان‪ ،‬بعضها‬
‫من المثالث ومعظمها من المثاني‪ ،‬وهي تدلنا على أ ّن الشاعر كان مفتو ًنا‬
‫بالمجون ك َّل الافتتان‪ ،‬وكان لا يتحرج عن ذكر الأعضاء الجنسية تصري ًحا‬
‫وتلوي ًحا‪ ،‬وذكر ما يتعلق بها‪ ،‬ويعرضها لنا في صورة عارية من الأدب‬
‫المكشوف‪ ،‬تدعو إلى الإثم وترغب في الفسق‪ ،‬ولعلّه يسجل بك ّل أمانة‬

‫صورة المجتمع ويعرضها أمام معاصريه‪ ،‬فنجد أ ّن انتشار التهتك بين‬

‫المجتمع المصري آنذاك لم يكن إلا من قبيل توافر الثروة بيد أهل الحكم‪.‬‬

‫كان الغزل عند المصريين غر ًضا أساسيًّا ساعد عليه‬           ‫عرف شعرنا العربي ظاهرة ح ُّب الغلمان‬
   ‫رقة الطباع وحبّهم للهو ووصف مجالس الخمر‬
   ‫ووصف الطبيعة‪ ،‬فالحبيبان يتناجيان على بساط‬              ‫والتغزل بالمذكر في العصر العباسي على أيدي‬
     ‫الخضرة أو أمام بركة وتوافر ذلك في الأديرة‪.‬‬        ‫أبي نواس ومن جاراه من شعراء الخمر والمجون‬
       ‫ويتضح لي أن هذا الاتجاه الرومانسي الذي‬         ‫الذين استجابوا للانفتاح الحضاري الذي حدث في‬
     ‫توصلوا إليه في العصر الحديث والذي قيل إن‬        ‫المجتمع‪ ،‬فأولعوا بالغلمان وتغزلوا بهم‪« ،‬وقد عملت‬
                                                       ‫الحروب وما نتج عنها من سبي على كثرة الرقيق‬
 ‫الأدب العربي أخذه عن الغرب‪ ..‬أن لنا جذو ًرا فيه‪.‬‬       ‫من الغلمان وصار المجتمع غا ًّصا بهم‪ ،‬وأسندت‬
    ‫وفي العصر الإخشيدي كثرت الدعوة إلى التهكم‬          ‫إليهم أعمال كثيرة واشتغلوا بالحرف المختلفة»(‪،)1‬‬
     ‫بالدين والأخلاق والدعوة إلى المجون‪ ،‬م َّما يدل‬
     ‫على أن حياة اللهو كان لها أثر كبير في شعراء‬          ‫وكان هؤلاء الغلمان على قدر كبير من الملاحة‬
   ‫ذلك العصر؛ فمث ًل نجد الشاعر سعيد بن مفاخر‬            ‫والخلاعة مما لفت إليهم أنظار الشعراء فراحوا‬
                                                          ‫يتغنون بجنسهم‪ ،‬ووصفوا ما دار بينهم وبين‬
‫المعروف بقاضي البقر‪ ،‬وكان شاعر الإخشيد وابنه‪،‬‬          ‫الغلمان من مجون و ُفحش‪ ،‬فتفشت ظاهرة الغزل‬
                                          ‫يقول‪:‬‬        ‫بالغلمان‪ ،‬وكان هذا الفن حك ًرا على شعراء المجون‬
                                                      ‫في العصر العباسي‪ ،‬أما في العصور اللاحقة فنظم‬
                      ‫«ح ّي على الكأس في الصباح‬      ‫فيه ك ّل الشعراء‪ ،‬وتقبل المجتمع نظمهم‪ ،‬بل لقد أقبل‬
    ‫مطر ًحا نصح كل لاح‪ ..‬وانتهب العيش ما تأتي‬          ‫أئمة الدين والفقهاء في العصور المتأخرة كالعصر‬
      ‫فأنت منه على جناح‪ ..‬وأجرني من عقول قوم‬           ‫المملوكي ‪-‬على سبيل المثال‪ -‬أقبلوا على النظم فيه‬
                                                        ‫ولم يجدوا حر ًجا في ذلك‪ ،‬كابن دقيق العيد وابن‬
                         ‫عموا عن الشرب والملاح‬
                          ‫يا رب دعني بلا صلاح‬                              ‫حجر العسقلاني وغيرهما‪.‬‬
                           ‫يا رب ذرني بلا فلاح‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59