Page 49 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 49
47 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
وتعمق الرؤية في حقوق الفلسطينيين في هذا المكان، الجميع» .تلك الرؤية تتماثل مع الرؤية الأسطورية
وتبرز جذورهم التاريخية والتراثية كشواهد على للسيد المسيح ،وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه أن الغجر
انتمائهم للمكان ،قبل حضور كل الغزاة إليه ،من
يمثلون طائفة دينية تخالف توجهات الكنيسة.
عصابة الجبل التي تسرق الماشية وتخطف النساء، هذا الخال الجديد يحمل علامة مميزة ،كان العجوز
إلى الجنود ذوي البشرة الشقراء والعيون الزرقاء.
يبحث عنها بين المواليد الجدد ،وقد شاهد كل
فالمسيح عمد في مياه طبريا ،والمسلمون اتخذوا مواليد القرية ولم يجد بينهم العلامة ،وكان مص ًّرا
من طبريا مق ًّرا للحكم ،والناصرة كانت بشارة أن هناك مولو ًدا جدي ًدا لم يشاهده وأن أمه أخفته،
المسيح وموطن الثوار ،والقدس طريق المسيح، في ذلك الوقت كان «عبودة» مري ًضا فلم تخرج به
وصعود النبي محمد (صلعم) ،وكل زاوية فيها
تشهد على عنفوانها وحضارتها وجذورها العربية، أمه ليشاهده الخال ،ولكن أمام إصرار العجوز
وأنها مهد الأمن والسلام .إن توثيق المكان بكل أن الخال الجديد من قرية الصبيرات ،كان لا بد
ملامحه وتفاصيله التراثية والحضارية يؤكد على من البحث عنه ،وإلا تفقد القرية بركتها ويحل بها
نقض الرواية الصهيونية الزائفة القائمة على انتفاء الخراب ،فما كان من وجيه القرية «الشعباني» إلا
الوجود الفلسطيني صاحب الأرض في أحقيته دعوته لإحراق القرية حتى يظهر المولود الجديد،
بالمكان. وحين اشتعلت النيران اندفعت امرأة من بين
الجموع صارخة نحو بيتها ،وأخرجت لفافة زرقاء
بنية الزمان والمفارقة الزمنية:
فيها المولود ،ومشت «هدلة» نحو خيمة العجوز
إن التقاطع الزمني في ترتيب الأحداث ،أثر على وحدها ،ولم تهدأ النفوس إلا حين أعلن العجوز أن
تكوين بنية زمنية واضحة لسير الأحداث ،ولكن
ثمة اشارات تعبر عن دلالات زمنية ،نقرأ ما جاء ابن هدلة /عبودة هو الخال الجديد ،وأن «هبات
الرزق ،والسعد ،والهناء ،والفرح ،والرضا ،والمطر،
في السرد« :أربعون ج ًّدا وأزيد تهيبوا من فتح
الصندوق» .هؤلاء الأربعون الذين عاش في كنفهم كلها مشدودة إليه».
وكان اختيار «عبودة» كاهنًا جدي ًدا ،تطو ًرا جدي ًدا
الصندوق ،يمثلون بع ًدا زمنيًّا ،من حيث التواتر في حياة أمه التي لم تحتمل بعد أن أصبح بيتها يعج
الزمني على قدم وجود الصندوق ،فلو تصورنا أن
كل ج ٍد من هؤلاء قد عاش 75سنة ستكون لدينا بأصحاب الحاجات والمؤمنين بالكاهن الصغير،
فترة زمنية تتجاوز 3000سنة ،وهي تقريبًا فترة مما أدى إلى مرضه .وبعد سبع سنوات ،أشاعت
الوجود الكنعاني -الفلسطيني على أرض فلسطين،
أم عبودة بانتهاء مدة التكليف الممنوحة لابنها،
وهذا يعني أن القرية التي يتحدث عنها جده وأشارت عليهم بالذهاب إلى الكنيسة ،لكي يرتفع
الشمنهوري عمرها من عمر التاريخ الفلسطيني- العبء عنها ،ويستعيد ابنها صحته .لقد كانت أم
الكنعاني. عبودة غير مؤمنة بخرافة الكاهن الصغير ،منذ
إن كتب التاريخ تؤكد أن مدينة طبريا هي إحدى قصة صاحب البقرات التي تختفى كل ليلة واحدة
أقدم المناطق المسكونة في فلسطين ،حيث وجد فيها
علماء الآثار جمجمة لامرأة تعود إلى 3000سنة منهن ،حيث يسرقها اللصوص ،ويأتي لعبودة
قبل الميلاد ،ووجدت آثار لـ( )12مدينة بنيت على كي يكشف له لماذا تختفي البقرات؟ لذلك كانت
ضفاف بحيرة طبريا وعلى مقربة منها. تضحك وتسخر من عقول الناس .وهنا تبرز
ويأتي الأحفاد بعد كل هذه السنوات لكي دلالة التعارض بين الخرافة والإيمان بالكنيسة،
ينبشوا أسرار المكان اعتما ًدا على تاريخ أجدادهم لهذا كانت «هدلة» تشير على الناس أن يذهبوا إلى
وحكاياتهم« :فرحي الأكبر كان بهذا الكتاب الكنيسة فهي القادرة على شفائهم وتلبية حاجاتهم،
وبهذا تجسد التحول في المجتمع من الإيمان
بالخرافة إلى الإيمان بالدين الذي تمثله الكنيسة.
تزخر الرواية بالأحداث والوقائع والدلالات الكثيرة
التي تؤكد على جمالية المكان ،وواقعية الأحداث،