Page 48 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 48
العـدد 37 46
يناير ٢٠٢2
منفصلة عنه ،بل هو جزء رئيسي في سيرها. وفن الرسم والموسيقى والنفخ في أعواد القصب،
يستقبل أهالي قرية الصبيرات حش ًدا من الغجر وهداه إلى قراءة التاريخ ،تاريخ الإنسان والأديان،
وهم متعودون على استقبالهم في كل عام ويعتبرون
وهو الذي علمه أن أغنى ثروة في العالم هي
يوم دخولهم «يوم المباركة». الإنسان.
إن الحديث عن الغجر وحياتهم وسلوكهم
وممارساتهم من الموضوعات التي لم تتطرق وفي الكنيسة يتعرف على «ماريا» التي تكبره
إليها الرواية الفلسطينية ،لذا تعد رواية «الكراكي» بسنوات ،وبتوجيهات من «الأب طنوس» تأخذه
من أولى الروايات التي تتحدث عن عالم الغجر. أي ًضا إلى عالم قراءة الكتب والرسم والموسيقى
فهؤلاء هم جزء من التكوين السكاني في فلسطين، والنحت ،فهي كانت في نظره تشبه الأب طنوس،
ويجهل الكثير من الأجيال الجديدة عن حياتهم «إنها تشبهه ،فتتحرك مثلما يتحرك ،وتتكلم مثلما
ووجودهم في فلسطين .كانوا يأتون من بلاد يتكلم ،ومجنونة بالكتب والفنون مثله أي ًضا» .وقد
الجولان ومن بلاد أخرى إلى قرى ومدن فلسطين عرف لاح ًقا من خلال أمه أنها ابنة الأب طنوس،
منذ القرن الخامس عشر الميلادي ،وكانوا يجوبون أنجبتها أمها قبل اختفائها بعد أن خطفتها عصابات
المدن والقرى ،وبعضهم استقر في المدن الرئيسية
كالقدس ونابلس وطبريا ،وبعد نكبة عام 1948 الجبل.
ارتحلوا كلاجئين إلى الأردن وقطاع غزة. إن علاقته بماريا تحتل مساحة كبيرة من سرد
إن الاستقبال الحافل من أهالي الصبيرات لحشد الأحداث ،فقد كانت ذات تأثير كبير في شخصيته،
الغجر يخالف النظرة السلبية لهم ،حيث التصقت بعد أن أحبها وتعلق بها «يا ماريا ،كم تعلقت بها،
بهم رؤية سلبية بأنهم أهل رقص وطرب ونساؤهم
لعب ،مما جعل الناس تنفر منهم ،ولكن موقف كم أحببتها ،كم عشقتها ،روحي تركض إليها
العجوز الخال من غياب «فضة» ينفي النظرة إلى وتناديها كلما جال اسمها في لهاثي» .لم يكن الفارق
نسائهم ،فقد قرر حرق القرية إذا لم تظهر «فضة». العمري بينهما عائ ًقا أمام الاتفاق بين الأب طنوس
كان أهالي الصبيرات يستبشرون بهم ويرون
فيهم أهل خير وبركة ونزول للمطر ،وهم أصحاب والأم على زواجهما ،وتذهب ماريا إلى الخالصة
كرامات وقداسة .ينزل حشد الغجر ضيو ًفا على لشراء ملابس ولوازم العرس لوحدها ،وتتأخر
القرية بكل ترحاب ،ويشرعون في بناء خيمة كبيرة عن الحضور مدة طويلة ،وحين السؤال عنها قالوا
للأب طنوس إن الأخوات ذهبن بها إلى الشام فهناك
لهم لكي تأويهم في ساحة القرية. الثياب أجمل ،عاش عبودة حالة قلق في غيابها،
كان أهالي قرية الصبيرات يتمنون أن يكون الخال فاقترح على الأب طنوس الخروج للبحث عنها فقد
(الكاهن) من بينهم هذا العام ،وهذا تقليد يقوم به تكون ذهبت إلى الناصرة أو القدس ،فيخرج ثلاثتهم
كبير الغجر الذي يطلق عليه الخال أو الكاهن ،وهو عبودة والأب طنوس وهارون خادم الكنيسة للبحث
عنها ،إلا أنهم لم يجدوها فقد اختفت ،ويعودون
عجوز كبير في السن ،وكان يطوف القرى بحثًا جمي ًعا وقد تغيرت أحوالهم ،وفي رحلة غيابهم التي
عن مولود يكون كاهنًا من بعده ،له كرامات «يدعو طالت بسبب إغلاق الجنود للطرق ،غادرت الأم
السماء فينزل المطر ،ويمسح على الأجساد فتشفى «هدلة» القرية للبحث عن الأب «عزيز» فسافرت إلى
الميناء في حيفا .أصيب الأب طنوس بحالة اكتئاب
من أمراضها ،ويقرأ على البطون فتمتلئ ،ويمر بعد فقدان ابنته ،ورفض الطعام والشراب ،واعتصم
بالسهول فتصير حقو ًل ،ويصرخ في الآبار فترتفع بالكنيسة حتى توفي .أما عبودة فلم يستطع العيش
المياه حتى الحواف ،ويمشي في البراري فتستأنس بعد غياب أمه وماريا والأب طنوس ،فيسافر إلى
به الوحوش والطيور ،ويعيش بين الناس فيحل حيفا للبحث عن أمه وأبيه.
السلام والتآخي ،ويمشي بين القرى فتمتد الدروب وإذا كانت مركزية الأحداث تتمثل في شخصية
عبودة ،إلا أن ثمة أحدا ًثا أخرى تسير بالتوازي مع
وتتواصل ،ويرفع يده إلى الأعلى فيعم الخير شخصية عبودة وحبه لماريا ،ولم تكن هذه الأحداث