Page 45 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 45
43 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
بالكنيسة وعن الأب طنوس وعن عشقه لماريا ،وكان الأموات ،فهذا العجوز الخال يقول لأهل قرية
منهم ًكا في السرد ،ولا يريد أن يقطعه لكي يوضح (التل) بعد أن دفن العجوز (أم فضة) التي نهشها
متى تعرف على ماريا .ولا يمكن أن يكتمل المشهد الوحش «هذه المرأة نصف روحي ،وهي جالبة لكم
دون الحديث في هذا الموضوع .لذلك يستدرك الأمر المطر ولو بعد حين» .إن وجود هذه المرأة في تربة
في (استدراك أول) لكي يتحدث عن بدايات تعرفه
القرية دلالة على البركة والخير ،مما دفع بعض
على ماريا وإعجابه بها .وفي (استدراك ثان) يتحدث أهالي القرى إلى تقديس المكان ،واعتباره ولي من
عن هلع أمه حين شاهدته بعد عودته من الكنيسة
ومقابلة ماريا في حالة غير طبيعية ،ولم يرد على أولياء الله ،وما أكثرهم في القرى الفلسطينية.
سؤالها غير أنه يريد أن ينام .وفي (استدراك ثالث)
يتحدث عن محاولات أمه ثنيه عن الذهاب للكنيسة الاستدراكات والهوامش:
ومقابلة ماريا ،إلا أنه لم يعد يملك زمام روحه .وفي تبرز في السرد تقنية كتابية جديدة ليست
(هامش أول) يتحدث عن موقف ورؤية ماريا له. مألوفة في الأدب الروائي العربي الحديث ،وهي
وفي (هامش أخير) يقرر أنه سوف يصارح ماريا الاستدراكات والهوامش .في حوار مع الكاتب مؤلف
حين يلتقيها بأن قلبه يدق لها».
رواية الكراكي حسن حميد يقول« :وجدت في
لقد نجح الكاتب في توظيف هذه التقنيات المستحدثة التراث العربي ،ومنذ حالات التدوين الأولى ،تقنيات
بكل جدارة ،مما يجعل القارئ يشعر بجمالية
فنية كتابية ،فيها الكثير من الحيوية والجمالية
السرد ،ودون الشعور بأن ثمة قطع بين السرد تلك الواردة على شكل (تذييلات ،أو حوا ٍش ،أو
واستدراكاته أو هوامشه. تعقيبات) وشعرت بأنها تفيد موضوعة السرد
الأدبي وتمنحه خصوصية متفردة ،لذلك لجأت إلى
التراث والمحكيات الشعبية الموروثة: استخدام هذه التقنية بحيث أن الانتقال من المتن
الى الهامش لا يضر بفعالية السرد ،أو يقطعها،
تحفل الرواية بالعديد من ألوان التراث الشعبي وأظن أنني أول من استخدم هذه التقنيات العربية
الذي عرفته القرية الفلسطينية في تاريخها العميق، الأصيلة في النسيج الروائي عربيًّا» .نعم هو أول
من استخدم هذه التقنية من التراث العربي ،وقد
بدأ من عادات وتقاليد القرية بالنسبة للمرأة جربها في روايتيه (جسر بنات يعقوب) ،و(أنين
الحامل ،وأثناء ولادتها ،ومباركتها في الكنيسة،
والابتعاد عن الأشياء التي تثير التشاؤم والخوف، القصب) ،وهذه الرواية (الكراكي).
مثل :ركوب البغلة المكتوب عليها عدم الإنجاب، وهذه التقنية المستمدة من التراث العربي قائمة على
لذلك ساق العربة رجلان بد ًل من البغلة .إلى وصف استكمال السرد ،فالاستدراك في اللغة يعني «توهم
العلاج الشعبي للتداوي ،وغسل النساء لثيابهن عند
البحيرة ،والمشاهد الراقصة التي يقدمها الغجر أثناء َتولد من كلام سابق ،واللحوق بالشيء وبلوغه،
دخولهم القرية ،وأعمالهم بعد الاستقرار في القرية وتلافي ما فرط من قول أو عمل» ،وهذا ما يتضح
مثل :تبييض الأواني النحاسية ،ورسم الوشم في السرد ،بأن ثمة موضو ًعا لم يسجله السارد في
على الخدود والأنوف والأرجل ،وتضفير الخرز المتن ،وهو مرتبط بالسرد ،فيستكمله من خلال عدة
في أطواق صغيرة ،وتطريز على مناديل الرؤوس، استدراكات بالشرح والتفسير حتى يتضح المعنى
وخياطة الأقمشة بطريقة هندسية ،وصناعة أساور وتبرز الدلالة .أما الهامش فيعني «كلام خارج عنه
من الصوف للفتيات والفتيان ،وصناعة علكة البطم أو بمعزل عنه» ،أي خارج سياق السرد وبمعزل
التي تضعها العجوز في فم الأطفال ،وسباقات عنه ،فهي رؤية مستقبلية أو رؤية باطنية تفسر
الخيل عند ضفة النهر .وفي مقابل صناعات الغجر بعض الموضوعات التي لم يتضح معناها في المتن،
الشعبية ،يستعيد أهالي القرية صناعاتهم التي وقد استخدم هذه التقنيات في كل فصول الرواية.
نقرأ مث ًل« :حينما كان عبودة يتحدث عن علاقته