Page 44 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 44
العـدد 37 42
يناير ٢٠٢2
قد تبدو الرؤية البسيطة للغجر أنهم قوم رحل، ويرفض (الأب طنوس) راعي الكنيسة الطقوس
يطوفون في البلدان والقرى ،ويقدمون طقوسهم. الوثنية التي يرسمها الغجر في مسألة تنصيب
كاهن جديد يمنح القرية الخير والبركات .في إجابته
ولكن البنية العميقة تعطينا دلالة أكبر من هذه على سؤال (هدلة) أم عبودة عن مدى إيمانه بما
الرؤية ،فالغجر يمثلون فك ًرا دينيًّا مخال ًفا لفكر قاله العجوز الخال ،يقول« :إن الإنسان ما زال في
الكنيسة ،وهو تعبير عن الصراع بين الكنائس. حيرة من أمره ،على الرغم من وجود الكنيسة! ما
لذلك يرفض (الأب طنوس) هذا الفكر الذي جاء به زالت قناعات كثيرة يؤمن بها الإنسان وهي وثنية،
الغجر على لسان العجوز الخال قائدهم ،ويعتبره عرفها واقتنع بها لأنه عاشها في أسرته وبيئته ،ولا
وثنية ما زالت أجيال تحافظ عليها وتنشرها ،مما سبيل لخلاص عبودة من هذه المعطيات الوثنية إلا
يعني أن هذا الفكر ما زال قائ ًما ،وثمة من يؤمن به. الكتب» .إن الرؤية التي يبثها السارد هنا تؤكد أن
إن كلمة كاهن /أو الخال تعني في الفكر المسيحي الحقيقة لن يجدها الإنسان في الإيمان بالدين الذي
تنصيب راعي للدين المسيحي ،وبما أنه توجد حصل على طقوسه بالعادة ،بل من خلال الاطلاع
كنيسة إذن هو جاء بفكر مخالف للكنيسة القائمة، والعلم والمعرفة يكتشف الحقيقة ،فالكتب هي سبيل
فكر قائم على الخرافة .ولكن الأب طنوس احترا ًما
لأخوية الدين لم يدخل في جدل حول هذا الفكر، الإنسان إلى عالم النور.
إنما اعتبر عبودة الذي نصب كاهنًا أو خا ًل جدي ًدا
ستغيره الثقافة والمعرفة .وهذا أي ًضا كان موقف أم بحيرة وقرية طبريا
عبودة في رفضها لخرافة الخال الجديد عند ابنها، بناء ميناء حيفا
واستغرابها من كم الناس القادم للتبرك من ابنها
الطفل ،لذلك انتظرت حتى انتهى عهد الترسيم،
وأخذت تدفع الناس للذهاب إلى الكنيسة.
ويأتي تعميد العجوز الخال للطفل وفق طقوس
ذات نكهة دينية أسطورية ،حيث يتم التعميد مقابل
الشمس «لقد خرج العجوز الخال ،وبين يديه ابن
هدلة ،وهو يكشف عن رأسه أمام ضوء الشمس
الخافت الحيي ،وعن كتفه اليسرى التي وسمت
بحبة عنب ذات لون بنفسجي ،وقال صائ ًحا بمن
هم حوله :هذا هو خالكم الجديد» .إن الأساطير
الميثولوجية تنظر للشمس كإله ،فقد كانت عبادة
الشمس عقيدة دينية لدى الأقدمين ،وهذا العجوز
الخال يحاول استعادة هذه العبادات الوثنية
القديمة .ولكنها أي ًضا مرتبطة بتعميد السيد المسيح
في مياه طبريا.
لقد جمع السرد الروائي بين الواقع الحقيقي
والخيال السحري (الخرافة) ،مما يجعل الخيال
شيئًا اعتياد ًّيا ونم ًطا طبيعيًّا للحياة التي تعيشها
شخصيات الرواية ،ويعطي السرد مزي ًجا سحر ًّيا
يشد لب القارئ ،ويصبح معه الخيال المجنح للكاتب
وكأنه جزء من الواقع .كان أهالي القرى في زمن
الحياة الشعبية البسيطة يؤمنون بالخرفات وقداسة