Page 59 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 59

‫‪57‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                          ‫الإثم‪.‬‬       ‫أن يتغزل الشاعر الخطير في غلام قبطي بقوله‪:‬‬
  ‫وأقبح ما ظهر من هذا مغازلة الغلمان وتسريهم‪،‬‬          ‫«يظلمني العاذلون في رشا إن قيل كالشمس كان‬
  ‫حتى إ ّن الحاكم بأمر الله كان يتجول في الأسواق‬                                           ‫مظلو ًما‬
                                                       ‫هواه‬  ‫بقلبي‬  ‫حل‬  ‫يد ِه‬  ‫في‬  ‫الصليب‬  ‫مذ حل‬
    ‫فإذا وجد مخالفة من أح ٍد يطلب من عب ٍد يرافقه‬                                        ‫مرسو ًما»(‪)25‬‬
     ‫ارتكاب الفحشاء مع صاحب المخالفة‪ ،‬و»وفشا‬           ‫وفي كتاب تأهيل الغريب للنواجي نماذج عديدة من‬
    ‫ح ّب الغلمان بعد ذلك بمصر (القاهرة)‪ ،‬وتغزل‬               ‫الغزل بالغلمان‪ ،‬كقول الشاعر‪:‬‬
  ‫بهم الشعراء حتى غارت النساء بعد ذلك‪ ،‬فعمدت‬                 ‫«إنما الدنيا طعام وغلام ومدا 	م‬
   ‫إلى التشبه بالغلمان في اللباس والقيافة ليستملن‬            ‫فإذا فاتك فعلي الدنيا السلام»(‪.)26‬‬
 ‫قلوب الرجال؟ وبسبب كثرة الجواري في القصور‬             ‫ومنها أي ًضا قصيدة البهاء زهير المبدوءة بـ‪:‬‬
      ‫لجأن إلى أساليب الفحشاء‪ ،‬ور ّبما اتخذت ك ّل‬      ‫«علي حسن النواعير وأصوات الشحارير‬
‫جارية خصيًّا لنفسها كالزوج‪ ،‬ومن هنا كانت عادة‬          ‫وقد طاب لنا وقت صفا من كل تكدير»(‪)27‬‬
‫استخدام الخصيان في قصور الحريم‪ ،‬ومنع دخول‬              ‫كذلك يحتوي ديوان ابن نباتة على مقطوعات كثيرة‬
  ‫الذكور من غيرهم إلى هذه القصور‪ ،‬وجرت عادة‬            ‫في الغزل بالغلمان‪ ،‬بعضها من المثالث ومعظمها‬
    ‫اقتناء الجواري من ِقبل النساء‪ ،‬إلى البقاء بدون‬     ‫من المثاني‪ ،‬وهي تدلنا على أ ّن الشاعر كان مفتو ًنا‬
  ‫زواج لأسباب عدة‪ ،‬وانتهي بهن الحال إلى الفساد‬         ‫بالمجون ك َّل الافتتان‪ ،‬وكان لا يتحرج عن ذكر‬
   ‫أو الاتهام بالفساد‪ ،‬فاتهم الحاكم بأمر الله أخته‬          ‫الأعضاء الجنسية تصري ًحا وتلوي ًحا‪ ،‬وذكر ما‬
  ‫(ست الملك) بالفحش‪ ،‬ويقال إ َّن من الأسباب التي‬       ‫يتعلق بها‪ ،‬ويعرضها لنا في صورة عارية من الأدب‬
   ‫عجلت بفتح مصر‪ ،‬سماع الخليفة المعز لدين الله‬         ‫المكشوف‪ ،‬تدعو إلى الإثم وترغب في الفسق‪ ،‬ولعلّه‪،‬‬
‫بما ذكر له عن ابنة الإخشيد صاحب مصر اشترت‬              ‫كما ذكرت ساب ًقا‪ ،‬يسجل بك ّل أمانة صورة المجتمع‬
‫جارية للتمتع بها‪ ،‬فلما بلغه ما فعلته استبشر وأمر‬       ‫ويعرضها أمام معاصريه‪ ،‬فنجد أ ّن انتشار التهتك‬
  ‫بإحضار شيوخ كتامة والمغرب‪ ،‬وقال «يا إخواننا‬          ‫بين المجتمع المصري آنذاك لم يكن إلا من قبيل‬
     ‫انهضوا إليهم‪ ،‬فلن يحول بينكم وبينهم شيء‪،‬‬          ‫توافر الثروة بيد أهل الحكم‪ ،‬وازدحام الناس من‬
   ‫وإذا كان قد بلغ بهم الترف إلى أن صارت امرأة‬         ‫الفقراء الذين ص ّور لهم بعض القوادين طيب العيش‬
   ‫من بنات ملوكهم تخرج وتشتري لنفسها جارية‬             ‫بتعاطي الغناء واحتساء الخمر والانغماس في‬
    ‫تتمتع بها‪ ،‬فقد ضعفت نفوس رجالهم‪ ،‬وذهبت‬             ‫الفحش والرذيلة‪ ،‬فظهر السماسرة والقوادين الذين‬
‫الغيرة منهم‪ ،‬فانهضوا بنا إليهم‪ ،‬وأسرع في تجهيز‬         ‫تاجروا بحناجر وأجساد الفقراء اللذين سقطوا في‬
   ‫الجيوش لفتح مصر فأين ابنة الإخشيد من ابنة‬
     ‫العزيز (ست الملك)؟ وأين منهما (الست عبده)‬
  ‫(والست رشيدة) ابنتا المعز لدين الله نفسه؟»(‪.)28‬‬
    ‫ويعد هذا رد فعل طبيعي‪ ،‬فزهد الرجل في المرأة‬
 ‫يقابله زهد المرأة في الرجل‪ ،‬وقد «سجل ابن دانيال‬
   ‫في كثير من أشعاره ظاهرة الشذوذ بين النساء‪،‬‬
  ‫ولكن القلم يعف عن ذكرها لما تفيض به من ُعهر‬
  ‫وتهتك ظهرت في الأديرة الخاصة بالنساء وبعض‬

                    ‫الخوانق وبعض المدارس»(‪.)29‬‬
  ‫ولكن لا نبالغ إذا قلنا إ َّن المرأة قد تضاءل نصيبها‬

      ‫من الغزل إذا قيس بما انساق إليه الأدباء من‬
  ‫الفتنة بالجمال المذكر‪ ،‬في بعض العصور المتأخرة‬

       ‫كالعصر المملوكي‪ ،‬فالصفدي يقصر مصنفه‬
‫(الحسن الصريح في وصف مائة مليح) على التغزل‬
‫بالغلمان‪ ،‬والشهاب الحجازي يفرد في كتابه (روض‬
   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64